قلت: قوله: إن الكلب الذي ليس بعقور يكره قتله مراده كراهة تنزيه، وفي كلام غيره ما يقتضي التحريم، والمراد الكلب الذي لا منفعة فيه مباحة، فأما ما فيه منفعة مباحة فلا يجوز قتله بلا شك، سواء في هذا الكلب الأسود وغيره، والأمر بقتل الكلاب منسوخ، والله أعلم.
الضرب الثاني: ما أحد أصليه مأكول، كالمتولد بين الذئب والضبع، وبين حماري الوحش والإنس، فيحرم التعرض له، ويجب الجزاء فيه … .
الحيوان الإنسي: كالنعم والخيل والدجاج، يجوز للمحرم ذبحها، ولا جزاء، والمتولد بين الإنسي والوحشي كالمتولد بين الظبي والشاة، أو بين اليعقوب والدجاجة، يجب فيه الجزاء كالمتولد بين المأكول وغيره». [وانظر: المجموع (٧/ ٣١٦)].
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (٣١١)(٢/ ١٣٦ - ط أسفار): «فيه مباحث الأول: المشهور في الرواية: خمس - بالتنوين - فواسق، ويجوز: خمس فواسق - بالإضافة من غير تنوين، وهذه الرواية التي ذكرها المصنف تدل على صحة المشهور، فإنه أخبر عن خمس بقوله: كلهن فواسق، وذلك يقتضي أن تنون: خمس، فتكون فواسق خبراً، وبين التنوين والإضافة في هذا فرق دقيق في المعنى، وذلك أن الإضافة تقتضي الحكم على خمس من الفواسق بالقتل، وربما أشعر التخصيص؛ بخلاف الحكم في غيرها بطريق المفهوم، وأما مع التنوين: فإنه يقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى، وقد يشعر بأن الحكم المرتب على ذلك - وهو القتل - معلل بما جعل وصفاً وهو الفسق، فيقتضي ذلك التعميم لكل فاسق من الدواب، وهو ضد ما اقتضاه الأول من المفهوم، وهو التخصيص.
البحث الثاني: الجمهور على جواز قتل هذه المذكورة في الحديث، والحديث دليل على ذلك، وعن بعض المتقدمين أن الغراب يرمى ولا يقتل.
البحث الثالث: اختلفوا في الاقتصار على هذه الخمسة أو التعدية لما هو أكثر منها بالمعنى، فقيل بالاقتصار عليها، وهو المذكور في كتب الحنفية، ونقل غير واحد من المصنفين المخالفين لأبي حنيفة: أن أبا حنيفة ألحق الذئب بها وعدوا ذلك من مناقضاته، والذين قالوا بالتعدية اختلفوا في المعنى الذي به التعدية: فنقل عن بعض الشارحين: أن الشافعي قال: المعنى في جواز قتلهن: كونهن مما لا يؤكل، فكل ما لا يؤكل فقتله جائز للمحرم ولا فدية عليه، وقال مالك: المعنى فيه كونهن مؤذيات، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله، وما لا فلا.
وهذا عندي فيه نظر؛ … »، فأفاض في اعتراضه، وخلاصته: أن الشافعي أباح اصطيادها، وليس قتلها، وقال بعدم وجوب الجزاء لمن قتل غير المأكول منها، لكونه ليس بصيد، قلت: قد نص الشافعي في كتبه على الجمع بين التعليل بكونه غير مأكول اللحم، وكونه ضاراً مؤذياً راجع ما نقلته عن الشافعي في الأم، وذهب ابن دقيق العيد إلى تقوية