للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ذوات الأربع على الكلب العقور؟ قلنا: فهلا قستم سباع الطير على الحدأة؟ أو: هلا قستم سباع ذوات الأربع على الضبع، وعلى الثعلب عندكم؟ واحتجوا في القردان بأنها من البعير؟

قال علي: هذا كلام فاحش الفساد لوجهين، أحدهما: أنه باطل، وما كانت القردان قط متولدة من الإبل، والثاني: أنه ما عُلِم في دين الله تعالى إحرام على بعير، ولو أن محرماً أنزى بعيره على ناقة، أو أنزى بعيراً على ناقته؛ ما كان عليه في ذلك شيء، فكيف أن يُعذَّب بأكل القردان له؟ إن هذا لعجب. واحتجوا في القملة بأنها من الإنسان؟ فقلنا: فكان ماذا؟ وهم لا يختلفون أن الصُّفار من الإنسان، ولو قتلها المحرم لم يكن فيها عندهم شيء، وقالوا: هو إماطة الأذى عن نفسه؟ فقلنا: نعم، فكان ماذا؟ وما أمر الله تعالى قط في إماطة الأذى بغير حلق الرأس بشيء، وأنتم لا تختلفون في أن تعصير الدُّمَّل، وحك الجلد، وغسل القذى عن العين، وقتل البراغيث: إماطة أذى، ولا شيء عليه في ذلك عندكم؛ وإذ قستم إماطة الأذى حيث اشتهيتم على إماطة الأذى بحلق الرأس فاجعلوا فيها ما في إماطة الأذى بحلق الرأس، وإلا فقد خلطتم وتناقضتم وأبطلتم قياسكم؟».

ومما قال في الرد على أبي حنيفة ومقلديه (٨/ ٤٤٠) في اقتصارهم على الخمس المذكورات بدعوى التخصيص: «وهذا الاحتجاج لا يمكن المقلدين لأبي حنيفة أن يحتجوا به؛ لأنهم قد زادوا إلى هذه الخمس ما لم يُذكر فيهنَّ، فأضاف أبو حنيفة إليهنَّ: الذئب، والحيات، والجعلان، والوَزَغَ، والنمل، والقُراد، والبعوض.

فإن قالوا: إنما زدنا الذئب للخبر الذي رويناه من طريق: وكيع، عن سفيان، عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن النبي ، قال: «يقتل المحرم الذئب»، والمرسل والمسند سواء؟ [قلت: الأشبه فيه بالصواب: أنه مقطوع على سعيد بن المسيب من قوله]، قلنا: فقولوا بما رويناه من طريق: أبي داود، عن أحمد بن حنبل، عن هشيم، قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله سئل عما يقتل المحرم؟ فقال: «الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي» [قلت: وهو حديث ضعيف]، فاقتلوا كل سبع عاد، ولم يقل : السبع العادي عليه؛ بل أطلقه إطلاقاً.

وأما نحن فلم نأخذ بما في هذا الخبر من النهي عن قتل الغراب؛ لأن راويه يزيد بن أبي زياد، وقد قال فيه ابن المبارك: ارم به، على جمود لسان ابن المبارك وشدة توقيه، وتكلم فيه شعبة وأحمد، وقال فيه يحيى: لا يحتج بحديثه، وكذبه أبو أسامة، وقال: لو حلف خمسين يميناً ما صدقته.

فإن قالوا: قد جعل رسول الله في الضبع الجزاء، وهي سبع ذو ناب؟

قلنا: نعم، وهي حلال من بين السباع، فهي صيد، فما الذي أوجب أن تقيسوا سائر السباع المحرمة على الضبع الحلال أكلها؟ ولم تقيسوها على الذئب الذي هو حرام

<<  <  ج: ص:  >  >>