للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• وأما الطحاوي في شرح المعاني (٢/ ١٦٣)، فإنه ذهب ليصحح مذهب أبي حنيفة وصاحبيه في كون السباع لا تقاس على الكلب العقور، استدلالا بكون الضبع من الصيد، ومن قتله فداه بكبش، وقال: «فلما كانت الضبع هي سبع، ولم يبح النبي قتلها، وجعلها صيدا، وجعل على قاتلها الجزاء، دلنا ذلك على أن الكلب العقور، ليس هو السبع، وبطل بذلك ما ذهب إليه أبو هريرة، وكان الكلب العقور، هو الكلب الذي تعرفه العامة»، قلت: كانت العرب تأكل الضبع، وجاء في الشرع ما يؤيد ذلك بجعله صيدا أبيح أكله، فكان هذا استثناء له من عموم السباع التي تعدو على الناس بطبعها، ويحرم أكلها، فبقيت على الأصل في معنى الكلب العقور، كما قال مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ثم خاض الطحاوي في مسألة قتل الذئب، ومسألة قتل الحية والهوام، وقاس جميع الهوام على العقرب، وذكر مسألة اختصاص الغراب والحدأة بالقتل من بين ذوي المخلب من الطير، وغير ذلك، وقد تناقض الأحناف حين استثنوا قتل السباع قياسا على الضبع، ثم أباحوا قتل الذئب قياسا على الكلب، وانظر كلام الطحاوي في أحكام القرآن (٢/ ٥٦) و (٢/ ٢٢٣)، واختلاف العلماء (٢/ ١٢١ - اختصار الجصاص). ودرج على منواله: أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (٤/ ١٣١)، والقدوري في التجريد (٤/ ٢١١٤) [وانظر في الرد على بعض ما احتجوا به: شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب (٢/ ٢٠٦) (٣/ ٤١٨ - ط الكتانية)، المحلى لابن حزم (٥/ ٢٦٧) (٨/ ٤٣٥ - ط بشار)].

• والعجيب أن الطحاوي احتج على إلحاق الذئب بالخمس المذكورة في حديث الخمس الفواسق برواية شاذة من حديث ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة:

رواها يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله نحو حديث الليث، ومالك - يعني: عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ، قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور»؛ إلا أنه قال في حديثه - يعني: حديث أبي هريرة -: «الحية، والذئب، والكلب العقور».

وترك الرواية الأخرى وفيها زيادة تكون حجة عليه في إلحاق السباع بالكلب العقور، وهي رواية الثقة الثبت الحافظ الإمام محمد بن يحيى الذهلي، وفيها: «والحية، والذئب، والنمر، والكلب العقور». قال الذهلي: كأنه يفسر الكلب العقور، يقول: من الكلب العقور: الحية، والذئب، والنمر. فهو يشير بذلك إلى وقوع الإدراج في هذه الرواية.

ولو أدرك الطحاوي شذوذ هذه الرواية ووقوع الإدراج فيها لما أوقع نفسه في هذا المأزق، قال ابن حجر في الفتح (٤/٣٦): «وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة؛ فتصير بهذا الاعتبار تسعا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي، أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور».

<<  <  ج: ص:  >  >>