• وقال الشافعي في الأم (٣/ ٥٣٩): «وما لا يؤكل لحمه من الصيد صنفان: صنف عدو عاد، ففيه ضرر، وفيه أنه لا يؤكل فيقتله المحرم، وذلك مثل: الأسد، والذئب، والنمر، والغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور، ويبدأ هذا المحرم، ويقتل صغاره وكباره؛ لأنه صنف مباح، ويبتدئه وإن لم يضره.
وصنف لا يؤكل ولا ضرر له، مثل: البغاثة، والرخمة، والأحكاء، والقطا، والخنافس، والجعلان، ولا أعلم في مثل هذا قضاء، فأمره بابتدائه، وإن قتله فلا فدية عليه؛ لأنه ليس من الصيد أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: لا يفدي المحرم من الصيد إلا ما يؤكل لحمه. قال: وهذا موافق معنى القرآن والسنة.
ويقتل المحرم القردان، والحمنان، والحَلَم، والكتالة، والبراغيث، والقملان، إلا أنه إذا كان القمل في رأسه لم أحب أن يفلى عنه؛ لأنه إماطة أذى، وأكره له قتله، وأمره أن يتصدق فيه بشيء، وكل شيء تصدق به فهو خير منه من غير أن يكون واجباً، وإذا ظهر له على جلده طرحه وقتله، وقتله من الحلال».
وقال في موضع آخر (٣/ ٦٢٧): «أصل ما يحل أكله من البهائم والدواب والطير شيئان، ثم يتفرقان، فيكون منها شيء محرم نصاً في سنة رسول الله ﷺ، وشيء محرم في جملة كتاب الله ﷿ خارج من الطيبات ومن بهيمة الأنعام؛ فإن الله ﷾ يقول: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَمِ﴾ [المائدة: ١]، ويقول: ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة: ٤] …
فلما أمر رسول الله ﷺ بقتل الغراب والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور؛ دل هذا على تحريم أكل ما أمر بقتله في الإحرام، ولما كان هذا من الطائر والدواب كما وصفت؛ دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالاً، وإلى ما لم تكن العرب تأكله فيكون حراماً؛ فلم تكن العرب تأكل كلباً، ولا ذئباً، ولا أسداً، ولا نمراً، وتأكل الضبع؛ فالضبع حلال، ويجزيها المحرم بخبر عن النبي ﷺ أنها صيد وتؤكل، ولم تكن تأكل الفأر، ولا العقارب، ولا الحيات، ولا الحدأ، ولا الغربان، فجاءت السنة موافقة للقرآن بتحريم ما حرَّموا وإحلال ما أحلُّوا، وإباحة أن يقتل في الإحرام ما كان غير حلال أن يؤكل، ثم هذا أصله، فلا يجوز أن يؤكل الرخم ولا البغاث ولا الصقور، ولا الصوائد من الطائر كله، مثل: الشواهين والبزاة والبواشق، ولا تؤكل الخنافس، ولا الجعلان، ولا العظاء، ولا الأحكاء، ولا العنكبوت، ولا الزنابير، ولا كل ما كانت العرب لا تأكله. ويُؤكل الضبُّ والأرنب والوبر وحمار الوحش، وكل ما أكلته العرب، أو فداه المحرم في سنة أو أثر، وتؤكل الضبع والثعلب».
وقال في موضع آخر (٣/ ٦٤٥): فالحدأة والغراب مما أباح رسول الله ﷺ قتله للمحرم، فما كان في مثل معناهما من الطائر، فهو داخل في ألا يجوز أكل لحمه، كما لا يجوز أكل لحمهما، لأنه في معناهما، ولأنهما أيضاً مما لم تكن تأكل العرب، وذلك مثل ما ضر من ذوات الأرواح من سبع وطائر، وذلك مثل العقاب والنسر والبازي والصقر