ولأن ذلك موافق لأصول الشريعة فيما جاءت به من التنظف والطهارة، والإحرام لا يمنع من النظافة والطهارة وإزالة الوسخ عن البدن.
* وقلت فيما ثبت عن ابن عمر وابن عباس في جواز حك الرأس:
حيث قال ابن عمر لما سئل عن قتل القملة: أهون قتيل، وقال: ما نعلم القملة من الصيد، وقال: شاة خير من قملة، وفيه دليل على أن ابن عمر لم يكن يرى في قتل القملة بأساً، وأن لا فدية فيها، وأنها ليست من الصيد، وإن أماط عن نفسه الأذى بقتلها.
وفي أثر ابن عباس دلائل على جواز قتل المحرم القمل من رأسه: أحدها: أنه حك رأسه حكاً شديداً، مما يلزم منه قتل القمل، أو إسقاطه من الرأس، والثاني: قول ابن عباس عن قتل القملة: بعدت أي: بعداً لها، بعداً لها، وقد آذتني، ففيه إشارة إلى إباحة قتل القمل، والثالث: قوله: ما القملة مانعتي أن أحك رأسي وإياها أردت، يعني: أنها هي التي تسببت بأذيتها أن أحك رأسي، وحك الرأس في موضع الألم يترتب عليه قتل القملة، فإنما أردت بحك رأسي إماطة الأذى عنه، إما بتخفيف الألم، وإما بقتل المتسبب في الألم، وهي القملة، والرابع: قوله: وما نهيتم إلا عن قتل الصيد، والقملة ليست بصيد اتفاقاً، لأنها لا تؤكل، ولم يرد نص مرفوع إلى النبي ﷺ، ولا ثبت عن صحابي: النهي عن قتل القملة؛ فبقي دخولها في عموم الأدلة القاضية بإباحة قتل المعتدي المؤذي من الهوام، ثم إنَّ غسل الرأس، أو الغطس في الماء، أو استعمال الخطمي والسدر: لا يزيل التفث بالكلية، ولا يعالج المشكلة، لأن القمل سريعاً ما يعود وينمو، ولا يقضي عنه التفث، ويرفع عنه الضرر إلا الحلاق، وأما قتل القمل بغسل الرأس وتفليته وتنظيفه، فإنما يخفف من حدة الآلام ولا يزيلها بالكلية، والله أعلم.
* ثم قلت: ومن أكبر الدلائل على جواز قتل القمل: ما ثبت عن النبي ﷺ أنه اغتسل وهو محرم، وأنه غسل رأسه وهو محرم، وأنه أمر عائشة وهي محرمة بعمرة أن تهل بالحج وتغتسل وتمتشط، وما ثبت عن عمر وابن عباس من التغاطس في الماء، وما ثبت عن ابن عمر وابن عباس من إباحة قتل القمل وحك الرأس حكاً شديداً، وكل ذلك يؤدي إلى قتل القمل، وقد احتج أكثرهم بحديث كعب بن عجرة، وأن النبي ﷺ لم يأمره بقتل القمل، وإنما أمره بحلق شعر رأسه، واستدلوا به أيضاً على أن هذا حكم جميع الهوام، فلا يجوز للمحرم قتله فيلزم المحرم الامتناع من قتل الذباب والنمل والذر والعظايا والخنافس وبنات وردان والدود والبراغيث، والدليل على ذلك: قوله ﷺ لكعب بن عجرة: «أتؤذيك هوامك»، ثم أباح له إزالته على أن يفتدي. فيقال: الناس يختلف بعضهم عن بعض في ذلك، وما يصاب به البعض فلا يلزم أن يصاب به الكل، والعجيب أن هذه الواقعة وقعت لكعب بن عجرة بالحديبية سنة ست من الهجرة، ثم اعتمر النبي ﷺ سنة سبع عمرة القضية، ولم يقل في ذلك شيئاً، ثم اعتمر سنة ثمان بعد فتح مكة عمرة الجعرانة، ولم يقل في ذلك شيئاً، ثم كانت حجة الوداع، ولم يأت أحد يشتكي القمل ولا نقل في