عليّ: هذا كلام فاحش الفساد؛ لوجهين، أحدهما: أنه باطل، وما كانت القردان قطُّ متولِّدةً من الإبل، والثاني: أنه ما عُلم في دين الله تعالى إحرام على بعير، ولو أن محرماً أنزى بعيره على ناقة، أو أنزى بعيراً على ناقته ما كان عليه في ذلك شيء، فكيف أن يعذَّبَ بأكل القردان له؟ إن هذا لعجب!».
وقال في الإحكام (٢/ ١٠٧)[فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضاً]: «ورووا أنه كان يقرد بعيره في طين بالسقيا وهو محرم، فقالوا: ليس عليه العمل، فلا ندري أجعلوا القردان صيداً منهياً عنه في الإحرام؟ أم جعلوا على البعران إحراماً؟ أم كيف وقع لهم هذا؟».
• وقال أبو يعلى الفراء في التعليقة الكبيرة (٢/ ٤٠٦): «مسألة: يجوز للمحرم أن يقرد بعيره: نص عليه في رواية حنبل وابن منصور. وقال مالك: لا يقرد بعيره. دليلنا: إجماع الصحابة؛ روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن عمر»، ثم ساقها، ثم قال: «ولأن ذلك مضرة بلا متعة؛ لأنه يعلق في حل البهيمة، وربما وقع ذلك للإنسان، فلم يمنع من قتله، كالحية والعقرب.
واحتج المخالف بما روي عن ابن عمر: أنه نهى عن ذلك. والجواب: أنا قد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك، فتعارضا، وسلم ما رويناه عن عمر وعلي وابن عباس.
واحتج أنه من دواب أبدان الحيوان يسير الضرر، أشبه دواب أبدان الإنسان من القمل والبراغيث. والجواب: أن مهنا نقل عن أحمد في المحرم: يقتل البراغيث، ولا يقتل القمل. ونقل في موضع آخر: وقد سئل عن قتل القملة، فقال: كل شيء من جسده لا بأس بقتله إذا آذاه. وفي موضع آخر: أجاز قتلها، وقتل البراغيث. فعلى هذا: لا فرق بينهم.
وفي موضع قد منع من ذلك؛ لأنه بإلقائها عن بدنه يترفه بذلك، ويزيل الأذى عن شعره وبدنه، فلهذا افتدى، كما لو حلق رأسه. ولهذا نقول: لو ألقاها عن ثوبه لم يفتد رواية واحدة؛ لعدم هذا المعنى. وليس القراد من الحيوان؛ لأن هذا المعنى معدوم فيه، فلهذا فرقنا بينهما.
• وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٤/ ١٥٩): «تقريد البعير: نزع القراد عنه ورميه، وكان عمر يدفنها في الطين، لئلا ترجع إلى البعير، وليكون أعون له على قتلها»، ثم نقل ما في الموطأ، ثم قال: كأنه رأى أن قول ابن عمر أحوط فمال إليه، ولم يتابعه جمهور العلماء عليه؛ لأن القراد ليس من الصيد، فيدخل في معنى قول الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُم﴾ [المائدة: ٩٥]، ولا هو ممن يعتبر به المحرم في نفسه من الصبر، مما يغير به المحرم في نفسه من الصيد على أذاه، وليس في جسده ولا في رأسه، ولم يتعد كونه في هوام جسد بعيره. فليس لقول ابن عمر وجه، ولا معنى صحيح في النظر. وقد قال ابن عباس: لا بأس أن يقتل المحرم القراد والحلم والبراغيث».