يرويه: مالك، عن يحيى بن سعيد [الأنصاري المدني: ثقة ثبت، إمام متقن، فقيه قاض، كان يُوازى بالزهري]، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي [ثقة، من الرابعة]، عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَيْر [ولد على عهد رسول الله ﷺ، وكان ثقة قليل الحديث. التهذيب (٤/ ٣٠٦)]، أنه رأى عمر بن الخطاب يُقرّد بعيراً له في طين بالسقيا وهو محرم.
أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٤٨١/ ١٠٣٢ - رواية يحيى الليثي)(١١٩٢ - رواية أبي مصعب)(ق ٥٦/ ب - موطأ ابن القاسم برواية سحنون)(٢/ ١٢٣/ ١١٨٨ - رواية ابن بكير)(٥٨٢ - رواية الحدثاني)(٤٣٣ - رواية الشيباني).
ومن طريقه: الشافعي في الأم (٨/ ٦٦٢/ ٣٨٣٢)، والبيهقي في الكبرى (٥/ ٢١٢)، وفي المعرفة (٧/ ٤٧٨/ ١٠٧٦٤).
قال مالك:«وأنا أكرهه»، وفي رواية ابن القاسم:«ليس عليه العمل».
وقال الشيباني:«وبهذا نأخذ، لا بأس به، وهو قول أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا».
قلت: وهذا صحيح عن عمر بن الخطاب، موقوفاً عليه، وهو أحد الخلفاء الراشدين، الذين أمرنا باتباع سنتهم، لقوله ﷺ:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»، كما قد أمرنا بالاقتداء به، فقال ﷺ:«اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر»، ثم إنه قد علق حصول الرشد بطاعته، فقال ﷺ:«إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا» [تقدم برقم (٤٤١)]، ثم لم يأت ما يُعارضه من سنة صحيحة، بل ثبت مثله عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، ثم هو موافق للأصول: مما جاء في رفع الحرج، ودفع الأذى، وقتل ما يؤذي من الدواب، فكيف يُعارض بهذا كله ما جاء عن ابن عمر، وقد جاء عنه القولان، والله أعلم.
وهنا يحسن الإشادة بمن وافق الدليل واتبعه: حيث يقول محمد بن الحسن رداً على مالك، بما قاله في الحجة على أهل المدينة (٢/ ٢٦١): «أخبرونا عنه، هل جاء اختلاف للحديث فيه عن عمر؟ أم جاء الحديث عن غيره من هو أوثق وأقضى منه؟ ما عندهم في ذلك حديث عمن هو أوثق من عمر ﵁، وما يجحدون حديثه!»، وسيأتي نقل كلامه قريباً.
وقال الشافعي في الأم (٨/ ٦٦٢)، بعد أن أفتى الربيع: أن لا بأس بقتل القراد والحَلَمة في الإحرام، ثم احتج بما ثبت عن عمر، قال رداً على مالك:«وكيف تركتم قول عمر؟ وهو يوافق السنة؛ بقول ابن عمر، ومع عمر ابن عباس وغيره؟ فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد؛ فلعمر بمكانه من الإسلام وفضل علمه، ومعه ابن عباس، وموافقة السنة: أولى أن تقلدوه».