للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فارتجاعها ليس استحلالاً لفرج، وإن كانت محظورة فمجرد إزالة الحظر ليس ممنوعاً منه كتكفير المظاهر، ولأن الأصل عدم الحظر والمنع، وإنما حظرت السنة النكاح، والرجعة ليست نكاحاً ولا في معناه، فتبقى على الأصل.

والثانية: لا تجوز الرجعة وإن أفضى إلى البينونة في حال الإحرام، نقلها أحمد بن أبي عبدة والفضل بن زياد وحرب، وهي اختيار القاضي وأكثر أصحابه، مثل الشريف أبي جعفر وابن عقيل وأبي المواهب العكبري وأبي الخطاب في خلافه؛ لأن المحرم ممنوع من التكلم بالنكاح وهو الرفث، والارتجاع تكلم به، ولأن النبي نهاه أن ينكح أو ينكح أو يخطب، وارتجاعه أقرب إليه من أن ينكح غيره أو أن يخطب فإذا منع من أن يزوج أو يخطب فمنعه من الرجعة أولى، وهذا لأن المقصود حسم أبواب النكاح ومنع التعلق به بوجه من الوجوه والمرتجع متعلق به تعلقاً ظاهراً، ولأن الارتجاع وسيلة إلى الوطء ومقدمة له، فإن الراغب في الرجعة لا يؤمن عليه أن يرغب في الوطء، فمنع منها كالطيب، وعامة المعاني والأشياء المعتبرة في النكاح قد يمكن اعتبارها في الرجعة، بل ربما كان الارتجاع أشد داعيةً من ابتداء النكاح، فإن تشوف النفس إلى امرأة يعرفها أكثر من تشوفها إلى امرأة لا يعرفها، ولهذا منع في قضاء الحج من الاجتماع بالمرأة، … ، ولأن الرجعة استحلال مقصود للبضع، وإثبات لملك النكاح، فمنع منه كالعقد المبتدأ، وذلك لأن الطلاق يوجب التحريم وزوال ملك النكاح، إما في الحال أو في المآل بعد انقضاء العدة، والرجعة ترفع هذا التحريم، وتعيد الملك تماماً، ولا نسلم أنه ليس بنكاح بل هو نكاح، ولهذا تصح بلفظه على أحد الوجهين، وفي الآخر إنما لم يصح بلفظه لكونه لا يدل على خصوص معنى الرجعة كالوجهين في صحة الإجارة بلفظ البيع، مع أن الإجارة معاوضة محضة، … ».

ثم قال (٤/ ٦٥١): «فأما إذا خطب المحرم امرأة لنفسه وتزوجها بعد الحل، أو خطبها لرجل حلال، أو خطبت المحرمة لمن يتزوجها بعد الحل؛ فقال القاضي وابن عقيل في بعض المواضع وأبو الخطاب وكثير من أصحابنا: تكره الخطبة ولا تحرم، ويصح العقد في هذه الصور، وقال ابن عقيل في موضع: لا يحل له أن يخطب ولا يشهد، وهذا قياس المذهب؛ لأن النبي نهى عن الجميع نهياً واحداً ولم يفصل، وموجب النهي التحريم، وليس لنا ما يعارض ذلك من أثر ولا نظر، بل روي ما يؤكد ذلك، فعن نافع أن عبد الله بن عمر قال: لا يصلح للمحرم أن يخطب ولا ينكح ولا يخطب على غيره ولا ينكح غيره. رواه حرب …

ولأن الخطبة مقدمة النكاح وسبب إليه، كما أن العقد سبب للوطء، والشرع قد منع ذلك كله حسماً للمادة، ولأن الخطبة كلام في النكاح وذكر له، وربما طال فيها الكلام، وحصل بها أنواع من ذكر النساء، والمحرم ممنوع من ذلك كله، ولأن الخطبة توجب تعلق القلب بالمخطوبة، واستثقال الإحرام والتعجل إلى انقضائه لتحصيل مقصود الخطبة، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>