بأن إجماعهم حجة فإنا نضعهم مواضعهم، ونؤتي كل ذي حق حقه، ونعرف مراتب المحدثين والمفتين والعاملين لنرجح عند الحاجة من يستحق الترجيح.
وفي المسألة أقيسة شبهية، ومعان فقهية:
وأيضاً فإن الإحرام يحرم جميع دواعي النكاح تحريماً يوجب الكفارة، مثل القبلة والطيب، ويمنع التكلم بالنكاح والزينة، وهذه مبالغة في حسم مواد النكاح عنه، وعقد النكاح من أسبابه ودواعيه، فوجب أن يمنع منه وعكسه الصيام والاعتكاف، فإنه يحرم القبلة، ولا يمنع الطيب والتكلم بالنكاح، والاعتكاف وإن قيل بكراهة الطيب فيه فإنه لا يحرم ذلك، ثم لا كفارة في شيء من مقدمات النكاح إذا فعله في الصيام والاعتكاف، وقد بالغ الشرع في قطع أسبابه، حتى إنه يفرق بين الزوجين في قضاء الحجة الفاسدة، وأيضاً: فإن المقصود بالنكاح حل الاستمتاع، فمن حقه أن لا يصح إلا في حل يقبل الاستمتاع، وأن لا يتأخر حِلُّ الاستمتاع عن العقد؛ لأن السبب إذا لم يُفد حكمه ومقصوده وقع باطلاً، كالبيع في محل لا يملك، والإجارة على منافع لا تستوفى، … ، وإنما صح نكاح الحائض والنفساء والصائمة لأن بعض أنواع الاستمتاع هناك ممكن، أو وقت الاستمتاع قريب، فإن الصائم يستمتع بالليل، والحائض تستمتع منها بما دون الفرج، … ، والإحرام يمنع الاستمتاع بكل حال منعاً مؤكداً، لطول مدته على وجه يفضي الاستمتاع إلى مشاق شديدة: من المضي في الفاسد، ووجوب القضاء والهدي، والتعرض لسخط الله وعقابه، والإحرام لا يُنال إلا بكُلَف ومشاقٌ، وليس في العبادات أشدُّ لزوماً وأبلغ نفوذاً منه، … ، وأيضاً: فإن الإحرام مبناه على مفارقة العادات في الترفه، وترك أنواع الاستمتاعات، فلا يلبس اللباس المعتاد، ولا يتطيب ولا يتزين ولا يتظلل، ويلازم الخشوع والاخشيشان، ويقصد بيت الله أشعث أغبر أدفر قملاً، ولا شك أن من يتزوج فقد فتح باب التنعم والاستمتاع، وعقد أسباب اللذة والشهوة، وتعرض للهو واللعب، وحاله مخالفة لحال الخاشع المعرض عن جميع العادات، … ، وأيضاً: فإن المعتدة عن وفاة الزوج منعت الطيب والزينة، حسماً لمواد النكاح، ومفارقة لحال المتزوجة، وألزمت لزوم المنزل، والمحرمة قد منعت الطيب والزينة، فهي كالمعتدة من هذا الوجه، … ».
ثم قال (٤/ ٦٤٥): «ولا كفارة في النكاح؛ لأنه يقع باطلاً، فلم يوجب كفارة، … ».
ثم قال (٤/ ٦٤٨): «وأما ارتجاع زوجته المطلقة قبل الإحرام أو في حال الإحرام، ففيه روايتان: إحداهما له ذلك، قالها عبد الله، وهي اختيار الخرقي، … ، وأبي الخطاب وغيرهم؛ لأن الرجعية زوجة بدليل ثبوت الإرث بينهما، وثبوت الطلاق والخلع بينهما، وأن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا مهر ولا رضا، فارتجاعها ليس ابتداء ملك، وإنما هو إمساك، كما قال تعالى: ﴿فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَنِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٣١]، ولأن الرجعية إن كانت مباحة