للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

رسول الله تزوج ميمونة وهو حلال، قال عمرو: فقلت لابن شهاب: أتجعل حفظ ابن عباس كحفظ أعرابي يبول على عقبيه؟

قيل: أما رواية من روى أنه تزوجها وهما حلالان بسرف - إن كانت محفوظة -: فإن معناها - والله أعلم - أنه بنى بها ودخل بها بسرف، كما فسرت ذلك جميع الروايات، فإنها كلها متفقة على أنه بنى بها بعد منصرفه من عمرته بسرف، وأكثر الروايات على أن عقد النكاح تقدم على ذلك، وقد تقدم أنه أراد أن يبني بها بمكة، اللهم إلا أن يكون تقدم الخطبة والركون، ولم يعقد العقد إلا بسرف حين البناء؛ فإن هذا ممكن، وعلى هذا حمل القاضي الروايتين، وفسر قوله: «دعوني أعرس»، معناه: أعقد وأعرس، فلما منعوه خرج إلى سرف فعقد وعرس.

وأما رواية من روى أنه تزوجها قبل الإحرام أو بعده: فإما أن يكون الأول هو المطلع على حقيقة الأمر وخفي على الثاني، فإن ذاك مثبت وهذا ناف، لا سيما وسليمان بن يسار ويزيد بن الأصم أعلم بهذه القضية من غيرهما، ثم لم يتحدث بالعقد ولم يظهر إلا بعد مقدمه مكة وانقضاء عمرته، ومن هنا اعتقد من اعتقد أن العقد وقع في أثناء الإحرام، وقد ذكر هذا القاضي، وقال: هذا تأويل جيد، أو أن يكون بعث أبا رافع ومن معه فخطبا له، ووقع الاتفاق والمواطأة على العقد، ثم لم يعقد إلا بعد الإحرام.

وأما كونهما قد رويا مرسلين، وكون يزيد بن الأصم لا يعدل ابن عباس فليس بشيء، فإنه قد روي مسنداً من وجوه مرضية مخرجة في الصحاح والحسان، والقصة إذا أسندها من يحدثها تارة وأرسلها أخرى كان أوكد في ثبوتها عنده، وثقته بحديث من حدثه، فإنه إنما يخاف في الإرسال من ضعف الواسطة، فمتى سماه مرة أخرى زال الريب، وابن عباس لم يعارض به يزيد بن الأصم في شيء يكون ابن عباس أعلم به منه، وإنما هو أمر نقلي، العالم والجاهل فيه سواء، ثم ابن عباس لم يسند روايته إلى أحد، ويزيد قد أسند روايته إلى خالته المنكوحة أم المؤمنين، ولا ريب أنها أعلم بحالها من ابن أختها ابن عباس.

الجواب الثاني: أن تزوج ميمونة وإن لم يحكم فيه بصحة رواية من روى أنه تزوجها حلالاً؛ فلا ريب أنه قد اضطربت فيه النقلة، ومع ما تقدم فلا وجه يصح الاحتجاج بها لعدم الجزم بأنه تزوجها وهو محرم، فتتساقط الروايتان، وحديث عثمان لا اضطراب فيه ولا معارض له.

الجواب الثالث: أنه لو تيقنا أنه تزوجها محرماً لكان حديث عثمان هو الذي يجب أن يعمل به لأوجه:

أحدها: أن حديث عثمان ناقل عن الأصل الذي هو الإباحة، وحديث ابن عباس مبقي على الأصل، فإن قدرنا حديث ابن عباس متأخراً لزم تغيير الحكم مرتين، وإن قدرنا حديث عثمان متأخراً لكان تزوج ميمونة قبل التحريم، فلا يلزم إلا تغيير الحكم مرة واحدة، فيكون أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>