محل بالمدينة زيادة علم خفيت على غيره، ثم نقل في وجوه التأويل وجوهاً كثيرة قد سبق إليها، ثم ختمها بقوله:«تأويل رابع: يحتمل أن يكون النبي ﷺ كان قد تزوجها قبل أن يحرم، ولم يعلم به ابن عباس، وعلم ذلك أبو رافع وميمونة؛ لأنهما كانا خبيرين بالقصة، ثم ظهر ذلك بعدما أحرم فنقل ابن عباس أنه تزوج وهو محرم، ونقل غيره أنه كان محلاً، وهذا تأويل جيد»، ثم عاد إلى القياس مرة أخرى.
ثم قال (١/ ٤٨٣): «مسألة: لا تصح الرجعة في حال الإحرام في أصح الروايتين: نقلها أحمد بن أبي عبدة، والفضل بن زياد، وحرب، وروى عبد الله عنه جواز ذلك.
وهو قول مالك والشافعي».
وذكر في العدة (٣/ ١٠١٩) من وجوه الترجيح: «الثالث: أن يكون أحد الراويين مباشراً لما رواه؛ لأن المباشر أعرف بالحال، ومثاله ما قلناه في رواية أبي رافع: أن النبي ﷺ نكح ميمونة وهو حلال؛ أنه أولى من رواية ابن عباس: أنه نكحها وهو حرام؛ لأن أبا رافع كان السفير بينهما، والقابل لنكاحها لرسول الله ﷺ.
الرابع: أن يكون أحد الراويين صاحب القصة كميمونة، قدمنا قولها: تزوجني رسول الله ﷺ ونحن حلالان على قول ابن عباس؛ لأنها المعقود عليها، فهي أعرف بوقت عقدها من غيرها لاهتمامها به ومراعاتها لوقته».
• وقال ابن عبد البر في التمهيد (٣/ ١٥٢): «والرواية أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال متواترة عن ميمونة بعينها، وعن أبي رافع مولى النبي ﷺ، وعن سليمان بن يسار مولاها، وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها، وهو قول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن شهاب، وجمهور علماء المدينة: أن رسول الله ﷺ لم ينكح ميمونة إلا وهو حلال قبل أن يحرم.
وما أعلم أحداً من الصحابة روى أن رسول الله ﷺ نكح ميمونة وهو محرم؛ إلا عبد الله بن عباس، ورواية من ذكرنا معارضة لروايته، والقلب إلى رواية الجماعة أميل، لأن الواحد أقرب إلى الغلط، وأكثر أحوال حديث ابن عباس أن يجعل متعارضاً مع رواية من ذكرنا، فإذا كان كذلك سقط الاحتجاج بجميعها، ووجب طلب الدليل على هذه المسألة من غيرها، فوجدنا عثمان بن عفان ﵁ قد روى عن النبي ﷺ، أنه نهى عن نكاح المحرم، وقال: «لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح»، فوجب المصير إلى هذه الرواية التي لا معارض لها؛ لأنه يستحيل أن ينهي عن شيء ويفعله مع عمل الخلفاء الراشدين لها، وهم عمر وعثمان وعلي، وهو قول ابن عمر، وأكثر أهل المدينة»، ثم ذكر الفسخ عن عمر ﵃، وعلي بن أبي طالب، وسعيد بن المسيب، ثم قال:«فهؤلاء يفسخون نكاح المحرم، وهم جلة العلماء من الصحابة والتابعين، والتفريق لا يكون إلا عن بصيرة مستحكمة، وأن ذلك لا يكون عندهم - والله أعلم - كذلك إلا لصحته عندهم عن رسول الله ﷺ».
ثم ساق ابن عبد البر الآثار الواردة في الباب عن ابن عمر، وصفية بنت شيبة،