للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

هذا الحديث مالك والشافعي، ورأيا النكاح إذا عُقد في الإحرام مفسوخاً، سواء عقده المرء لنفسه، أو كان ولياً فعقده لغيره.

وقال أصحاب الرأي: نكاح المحرم لنفسه وإنكاحه لغيره جائز، واحتجوا في ذلك بخبر ابن عباس: أن رسول الله تزوج ميمونة وهو محرم.

وتأول بعضهم خبر عثمان على معنى أنه إخبار عن حال المحرم، وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع لعقد النكاح ولا يفرغ له. وقال بعضهم: معنى: «لا ينكح» أي: لا يطأ، ليس أنه لا يعقد. قلت: الرواية الصحيحة: «لا ينكح المحرم» بكسر الحاء على معنى النهي، لا على حكاية الحال، وقصة أبان في منعه عمر بن عبيد الله من العقد وإنكاره ذلك عليه وهو راوي الحديث؛ دليل على أن المعني في ذلك العقد، فأما أن المحرم مشغول بنسكه ممنوع من الوطء؛ فهذا من العلم العام المفروغ من بيانه باتفاق الجماعة والعامة من أهل العلم. والخبر الخاص إنما يساق لعلم خاص ومعنى مستفاد، لولا الخبر لم يعلم ولم يستقر، فلا معنى لقصره على ما لا فائدة له.

وعُلم أن الظاهر من لفظ النكاح العقد في عُرف الناس، ولا شك أن قوله: «ولا ينكح عبارة عن التزويج بلا إشكال، فكذلك لا ينكح عبارة عن العقد؛ لأن المعطوف به لا يخالف معنى المعطوف عليه في حكم الظاهر».

ثم قال (٢/ ١٨٣): «وقد ذكر سعيد بن المسيب أن ما حكاه ابن عباس من ذلك وهم، وحديث يزيد بن الأصم - وهو ابن أخي ميمونة - يؤكد ذلك، وميمونة أعلم بشأنها من غيرها، وأخبرت بحالها، وبكيفية الأمر في ذلك العقد، وهو من أدل الدليل على وهم ابن عباس. وذهب الشافعي إلى أن المحرم إذا نكح فالعقد مفسوخ بلا طلقة. وقال مالك يفسخ بطلقة؛ لأن هذا نكاح مختلف فيه، فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطاً للفرج».

وقال القنازعي في شرح الموطأ (٢/ ٦٢٣) بعد مرسل سليمان بن يسار: «في هذا الحديث من الفقه: الوكالة على النكاح، يوكل الرجل رجلين يزوجانه امرأة بما رأياه من الصداق، ويلزمه ما فعلا من ذلك، وفيه بيان أنه تزوج ميمونة قبل إحرامه، بخلاف قول من يقول: إن للمحرم أن ينكح في حال إحرامه، واحتج من رأى ذلك جائزاً بما رواه: أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي تزوج ميمونة خالته وهو محرم، وهذا حديث خالف الناس فيه ابنُ عباس، وقالوا: إنما تزوجها وهو حلال، وروى ممون بن مهران، عن يزيد بن الأصم ابن أخي ميمونة، عن ميمونة؛ أنها قالت: تزوجني رسول الله ونحن حلالان بسرف.

قال عبد الرحمن: وتذاكر عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب تزويج النبي ميمونة بنت الحارث، فقال عطاء بقول ابن عباس، وقال ابن المسيب: إنه تزوجها وهو حلال، ودخل بها وهو حلال، ثم إنهما دخلا على صفية فسألاها عن ذلك، فقالت: تزوجها وهو حلال ودخل بها وهو حلال، وهذا هو الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>