وفي حديث عثمان بن عفان: أن النبي ﷺ نهى المحرم من أن ينكح أو يُنكح، وقد فسخ عمر نكاح محرم عقده في حال إحرامه، وبهذا أخذ مالك، لأن المحرم لا ينكح، ومتى نكح في حال إحرامه فسخ نكاحه.
ومعنى قول مالك: لا بأس أن يراجع المحرم امرأته إذا كانت في عدة منه، يريد: أن الزوجية باقية بينهما ما دامت في العدة، وليس مراجعته إياها استئناف نكاح، وإنما هو إشهاد الزوج على نفسه باستدامة النكاح».
وقد ساق ابن بطال في شرح البخاري (٤/ ٥٠٨) اختلاف فقهاء الأمصار وأدلتهم في المسألة، ثم قال:«عن الطبري، قال: والصواب عندنا: أن نكاح المحرم فاسد يجب فسخه؛ لصحة الخبر عن عثمان عن النبي ﵇ بالنهى عن ذلك، وخبر ابن عباس أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم؛ فقد عارضهم فيه غيرهم من الصحابة، وقالوا: تزوجها وهو حلال، فلم يكن قول القائلين: تزوجها وهو محرم أولى من قول القائلين تزوجها وهو حلال. وقد قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس وإن كانت بخالته، ما تزوجها إلا بعد ما أحل»، إلى أن قال:«وقد ثبت أن عمر وعلياً وزيداً فرقوا بين محرم نكح وبين امرأته، ولا يكون هذا إلا عن صحة ويقين. وأما قياسهم النكاح على الشراء؛ فإن الذين أفسدوا نكاح المحرم لم يفسدوه من جهة القياس والاستنباط؛ فتلزمهم المقاييس والنظائر والأشباه، وإنما أفسدوه من جهة الخبر الوارد عن النبي ﵇ بالنهى عن ذلك. فالذي ينبغي لمخالفيهم أن يناظروهم من جهة الخبر؛ فإن ثبت لزمهم التسليم له، وإن بطل صاروا حينئذ إلى استخراج الحكم فيه من المثال والأشباه، فأما والخبر ثابت بالنهي عن النكاح فلا وجه للمقايسة فيه».
• وقال ابن حزم في المحلى (٥/ ٢١١)(٨/ ٣٠٥ - ط بشار): «مسألة: ولا يحل لرجل، ولا لامرأة، أن يتزوج أو تتزوج، ولا أن يُزوّج الرجلُ غيره من وليته، ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يُحرمان إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر ويدخل وقت رمي جمرة العقبة، ويُفسَخُ النكاح قبل الوقت المذكور، كان فيه دخول وطولُ مُدَّةٍ وولادة، أو لم يكن؛ فإذا دخل الوقت المذكور حل لهما النكاح والإنكاح؛ وله أن يراجع زوجته المطلقة ما دامت في العدة فقط، ولها أن يراجعها زوجها كذلك أيضاً ما دامت في العدة؛ وله أن يبتاع الجواري للوطء ولا يطأ. روينا من طريق مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب؛ أن أبان بن عثمان بن عفان قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله ﷺ: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب»، وهذا لفظ يقتضي كل ما قلناه.
والمحرم: اسم يقع على الجنس، ويعم الرجال والنساء، ومراجعة المرأة المطلقة في عدتها لا يسمى نكاحاً؛ لأنها امرأته كما كانت ترثه ويرثها وتلزمه نفقتها وإسكانها، ولا صداق في ذلك، ولا يُراعى إذنها، ولا حكم للولي في ذلك، وأما بعد انقضاء العدة فهو نكاح لا مراجعة، ولا يكون إلا برضاهما وبصداق وولي.