للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

سبق الرد على الطحاوي في كل ما ساقه من دعاوى، ثم انتقل بعد ذلك لمعارضة السنن الصحاح الثابتة بآراء الرجال، ومجابهة النص النبوي بقياس العقل الناقص، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم ختم بقوله: «فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله تعالى» [وانظر أيضاً: شرح المشكل (١٤/ ٥٠٨)].

ومن الغريب أن الطحاوي صدرت منه تمحلات غريبة من أجل إثبات وهم ميمونة، واعتمد على روايات لا تثبت في أن النبي فضل العباس في أمر تزويجها، وقد سبق بيان شذوذ هذه الروايات، وعدم ثبوتها، وإنما الثابت: أن النبي وكل أبا رافع ورجلاً من الأنصار فزوجاه ميمونة قبل أن يخرج من المدينة وهو حلال، وادعي الطحاوي أنها لم تكن تعلم الوقت الذي وقع فيه العقد، فظنت أن رسول الله كان حلالاً، وادعى أنها ذهب عنها الوقت الذي كان من العباس فيه عقد التزويج عليها، فلم تعلم بذلك إلا في الوقت الذي كان بنى رسول الله بها فيه، ثم علم ابن عباس من أبيه الوقت الذي وقع فيه العقد، وهذا من أعجب التمحلات، ثم ذكر عجائب في رد حديث عثمان وتأويله، وهذا نهج من عارض السنن لأجل إثبات صحة ما ذهب إليه إمامه المتبوع، وتنزيهه عن الخطأ والسهو، فيلحق ذلك بالسنن الثابتة ورواتها الثقات، ثم إنه لما أراد أن يُعارض ما ثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت في رد نكاح المحرم، وما ثبت عن ابن عمر في النهي عنه، ذهب إلى قول ابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك، ولا يثبت هذا إلا عن ابن عباس وحده، وهو الذي أخطأ في اجتهاده حين أخبر بأن نكاح ميمونة وقع حال الإحرام [انظر أيضاً: شرح المشكل (١٤/ ٥٠٨)، وممن تلقف عنه هذه الردود الساقطة، والدعاوى الباطلة، وزاد عليها: أبو بكر الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٤/ ٣٦٩). والقدوري في التجريد (٤/ ١٨٣٣)].

• ومن الإنصاف أن يقال بأن القدوري من أحسن من ناظر في هذه المسألة بالقياس والأشباه والنظائر، إلا أنه لم يضع ذلك في موضعه، لأنا ذهبنا إلى تحريم نكاح المحرم لا بالقياس، ولكن بثبوت الخبر الوارد في النهي عنه، قال ابن بطال في شرح البخاري (٤/ ٥٠٨): «فإن الذين أفسدوا نكاح المحرم لم يفسدوه من جهة القياس والاستنباط؛ فتلزمهم المقاييس والنظائر والأشباه، وإنما أفسدوه من جهة الخبر الوارد عن النبي بالنهي عن ذلك، فالذي ينبغي لمخالفيهم أن يناظروهم من جهة الخبر؛ فإن ثبت لزمهم التسليم له، وإن بطل صاروا حينئذ إلى استخراج الحكم فيه من المثال والأشباه، فأما والخبر ثابت بالنهى عن النكاح فلا وجه للمقايسة فيه».

وممن أجاد في الرد على القدوري: الماوردي في الحاوي (٤/ ١٢٣). والقاضي أبو يعلى في التعليقة الكبيرة (١/ ٤٧١).

وقال الطحاوي في اختلاف العلماء (٢/ ١١٤ - اختصار الجصاص): «قال أصحابنا والثوري للمحرم أن يتزوج. وقال مالك والليث والأوزاعي والشافعي: لا يتزوج. وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>