رسول الله ﷺ، ولا يجوز أن يقبلا ذلك وإن لم يشهداه إلا بخبر ثقة فيه، فتكافأ خبر هذين وخبر من رويت عنه في المكان منها، وإن كان أفضل منهما، فهما ثقة، أو يكون خبر اثنين أكثر من خبر واحد، ويزيدونك معهما ثالثا؛ ابن المسيب، وتنفرد عليك رواية عثمان التي هي أثبت من هذا كله. فقلت له: أو ما أعطيتنا أن الخبرين لو تكافأ نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله ﷺ، بعده، فنتبع أيهما كان فعلهما أشبه، وأولى الخبرين أن يكون محفوظا فنقبله، ونترك الذي خالفه؟ قال: بلى. قلت: فعمر وزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم، ويقول ابن عمر: لا ينكح ولا ينكح، ولا أعلم من أصحاب رسول الله ﷺ لهما مخالفا. قال: فإن المكيين يقولون ينكح. فقلت: مثل ما ذهبت إليه والحجة تلزمهم مثل ما لزمتك، ولعلهم خفي عليهم ما خالف ما رووا من نكاح النبي ﷺ محرما. قال: فإن من أصحابك من قال: إنما قلنا: لا ينكح؛ لأن العقدة تحل الجماع وهو محرم عليه. قلت له: الحجة فيما حكينا لك عن رسول الله ﷺ وأصحابه، لا فيما وصفت أنهم ذهبوا إليه من هذا، وإن كنت أنت قد تذهب أحيانا إلى أضعف منه، وليس هذا عندنا مذهب المذهب في الخبر أو علة بينة فيه. قال: فأنتم قلتم: للمحرم أن يراجع امرأته إذا كانت في عدة منه، وأن يشتري الجارية للإصابة. قلت: إن الرجعة ليست بعقد نكاح، إنما هي شيء جعله الله للمطلق في عقدة النكاح، أن يكون له الرجعة في العدة، وعقدة النكاح كان وهو حلال، فلا يبطل العقدة حق الإحرام، ولا يقال للمراجع: ناكح بحال. فأما الجارية تشترى؛ فإن البيع مخالف عندنا وعندك للنكاح، من قبل أنه قد يشتري المرأة قد أرضعته ولا يحل له إصابتها، ويشتري الجارية وأمها وولدها لا يحل له أن يجمع بين هؤلاء، فأجيز الملك بغير جماع، وأكثر ما في ملك النكاح الجماع، ولا يصلح أن ينكح امرأة لا يحل له جماعها، وقد يصلح أن يشتري من لا يحل له جماعها». [وقال نحوه مختصرا في مختصر المزني (٢/ ٦٣)].
وقال في اختلاف الحديث (١٩٤): «فكان أشبه الأحاديث أن يكون ثابتا عن رسول الله ﷺ: أن رسول الله ﷺ نكح ميمونة حلالا، فإن قيل: ما يدل على أنه أثبتها؟ قيل: روي عن عثمان عن النبي ﷺ: النهي عن أن ينكح المحرم ولا ينكح، وعثمان متقدم الصحبة، ومن روى أن النبي نكحها محرما: لم يصحبه إلا بعد السفر الذي نكح فيه ميمونة، وإنما نكحها قبل عمرة القضية. وقيل له: وإذا اختلف الحديثان، فالمتصل الذي لا شك فيه أولى عندنا إن ثبت، لو لم يكن الحجة إلا فيه نفسه، ومع حديث عثمان ما يوافقه، وإن لم يكن متصلا اتصاله. فإن قيل: فإن من روى أن رسول الله نكحها محرما قرابة يعرف نكاحها، قيل: ولابن أخيها يزيد بن الأصم ذلك المكان منها، ولسليمان بن يسار منها مكان الولاية، يشابه أن يعرف نكاحها، فإذا كان يزيد بن الأصم وسليمان بن يسار - مع مكانهما منها - يقولان: نكحها حلالا، وكان ابن المسيب يقول: نكحها حلالا، ذهبت العلة في أن يثبت من قال: نكحها وهو محرم؛ بسبب القرابة، وبأن حديث