للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأيوب السختياني، وعبد الله بن أبي نجيح يسار المكي، أئمة ثقات أثبات يحتج برواياتهم، فلا يشك أحد ممن له بصيرة وتمييز بين الرجال أن هؤلاء لا يساويهم رواة الأحاديث التي فيها أنه تزوج ميمونة وهو حلال، ولا يدانيهم ولا يقرب منهم، ومع هذا فحديث ابن عباس قد وافقه حديث عائشة وشيده وعضده برواة هم أئمة ثقات أجلاء لم يطعن فيهم أحد كأبي عوانة الوضاح الذي روى عن مغيرة بن مقسم، الذي يروي عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، الذي يروي عن مسروق بن الأجدع، عن عائشة ».

قلت: قد سبق أن رددت على دعاوى الطحاوي، فارجع إلى كلامي في موضعه، وأقول هنا رداً على العيني: أولاً: لا يليق بالناقد استعمال أساليب المبالغة والتهويل لإيهام القارئ الجاهل الغافل بصحة مذهبه مثل قوله: «وكيف لا يكون هذا طعناً من عمرو بن دينار في رواية يزيد بن الأصم وهو ينادي بأعلى صوته، ويقول: أتجعل أعرابياً بوالاً على عقبيه إلى ابن عباس؟! وكيف يكون طعن بأكثر من ذلك؟!»، فأنت من حيث لا تشعر تقدح في عمرو بن دينار نفسه؛ إذ لا يليق بعالم تابعي جليل مثل عمرو بن دينار أن يطعن في تابعي مثله، خالته أم المؤمنين ميمونة، وهي التي ربته ونشأته، فيصفه بهذا الوصف غير اللائق، والذي لا يرضاه هو لنفسه، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وعلى هذا فالأولى حمل هذا الإطلاق على صغر سن يزيد عن ابن عباس.

وأما الاحتجاج: فإن عمرو بن دينار لم ينازع الزهري في احتجاجه بمرسل يزيد لعلمه بأنه إنما أخذه عن ميمونة، وأنه وإن كان ظاهره الإرسال، لكن حقيقته الوصل، ولكن عمراً ذهب إلى الترجيح عند التعارض بتقديم رواية الأعلم والأضبط والأكبر سناً، ولاشك أن ابن عباس أعلم وأضبط وأكبر سناً ومقاماً ومنزلة من يزيد بن الأصم، لكن الزهري نظر لمعنى آخر هو أولى من جهة النظر مما رآه عمرو، وهو كون يزيد بن الأصم كان ربيباً لخالته ميمونة نشأ عندها، وتلقى عنها مباشرة بخلاف ابن عباس فلم يكن بهذه المنزلة من ميمونة، وإن كانت خالته وقد ثبت أنه بات عندها ليلة بعثه فيها أبوه العباس لينظر كيف صلاة النبي بالليل والناظر في طرق الحديث يرى أن ابن عباس لم يكن له حديث مع خالته ميمونة، بقدر ما كان مهتماً بوصف صلاة النبي بالليل، كما أن ابن عباس لم يشر بأنه تحمل هذا الحديث عن ميمونة؛ فيحتمل أن يكون محض اجتهاد من ابن عباس، لما سمعه من كلام الناس في هذه الواقعة، بينما تحمله يزيد عن ميمونة، والله أعلم.

وعلى هذا: فإن الزهري رأى أن الأخذ برواية يزيد بن الأصم عن خالته ميمونة أولى من الأخذ برواية ابن عباس؛ حيث إن ابن عباس بنى فيها على ظنه، ولم يكن شاهداً للواقعة، بينما يزيد بن الأصم بنى فيها على ما أخبرته به صاحبة الواقعة نفسها، وميمونة أخبر بشأنها من ابن عباس، إذ كيف يُعرض الزهري عن حديث ابن عباس المتصل، ليأخذ بمرسل يزيد بن الأصم إلا لكونه معه زيادة علم ليست مع ابن عباس، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>