قالت: تزوجني رسول الله ﷺ بسرف حلالاً. وقال الربيع بن سليمان: بعد أن رجع من مكة.
قيل: إنما أصل هذا: عن يزيد الأصم، عن النبي ﷺ تزوج ميمونة غير محرم. كذلك رواه من هو أعلم الناس بحديثه، وأرواهم عنه، وهو جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: كنت عند عطاء فجاء رجل، قال: هل يتزوج المحرم؟ فقال عطاء: ما حرم الله النكاح منذ أحله، قال ميمون فقلت له: إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ: أن أسأل يزيد بن الأصم: أكان رسول الله ﷺ حين تزوج ميمونة حلالاً أو حراماً؟ فقال يزيد: تزوجها وهو حلال. فقال عطاء: ما كان يأخذ هذا إلا عن ميمونة، كنا نسمع أن رسول الله ﷺ تزوجها وهو محرم. [قلت: فاشتملت دعواه على ما يبطلها، إذ قد عاد آخرها على أولها بإثبات الاتصال، حيث قد رد عطاء الحديث مرة أخرى إلى ميمونة، فبطلت دعوى الإرسال].
فأخبر جعفر بالسبب الذي رفع إليه هذا الحديث عن يزيد بن الأصم، وأن الذي كان عنده منه حتى حاج به عطاء ذكره إياه عن يزيد بن الأصم موقوفاً عليه غير مروي عن ميمونة. وكذلك رواه عن يزيد بن الأصم: من هو أجل من جعفر، وحاج به عمرو بن دينار، روى سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس؛ أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم. قال عمرو: فحدثني ابن شهاب، عن يزيد بن الأصم، أن النبي ﷺ نكح ميمونة - وهي خالته - وهو حلال. قال عمرو: فقلت للزهري: وما يدري يزيد بن الأصم أعرابي بوّال؟! أتجعله إلى ابن عباس؟
«وليس يجب أن يُحتج بحديث ابن الشهيد على الزهري؛ لضبط الزهري وتقدمه، غير أن عمرو بن دينار قد خاطب الزهري [فلم ينكر] ذلك عليه ولا دفعه عنه، وكيف تجوز مقابلة رواية ابن عباس وعائشة بيزيد بن الأصم، وقد كانا مع النبي ﷺ، ويزيد لم يولد بعد».
قلت: أما الرد على حديث ابن عباس، وإثبات وهمه فيه، ونقل أقوال العلماء في توهيمه وعلى رأسهم: سعيد بن المسيب، فسوف نرجؤه لآخر البحث، وحاصله: أن ابن عباس أخطأ حين قال: تزوجها وهو محرم، وقد وهمه في ذلك سعيد بن المسيب، روي عنه ذلك من وجوه، قال في أحدها:«وهِلَ ابنُ عباس - وإن كانت خالته -، ما تزوجها رسول الله ﷺ إلا بعدما أحلَّ»، وقال أحمد بن حنبل:«ابن المسيب يقول: وهم ابن عباس، وميمونة تقول: تزوجني وهو حلال» [التعليقة الكبيرة (١/ ٤٧٤). شرح العمدة لابن تيمية (٤/ ٦٣١ - ط عطاءات العلم). الفتح (٩/ ١٦٥)]، وقال ابن تيمية:«المشهور عند أكثر الناس: أنه تزوجها حلال» اً [مجموع الفتاوى (١٨/ ٧٣)].
وأما قول عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم: كان أعرابياً بوالاً، يعني بذلك: صغر سنه وحسب، ولم يكن ذلك طعناً في عدالته ولا ضبطه؛ كما ادعى الطحاوي، وابن عباس: