والله أعلم: يحك المحرم جسده وليشدد؛ لأن شعر الجسد أحق عند أهل العلم، وهم لا يرون على من حك رأسه شيئا، إلا أن يستيقن أنه قتل قملا أو قطع شعرا».
وقال في التمهيد (١٥/ ١٧٥) في قتل القمل: «وقال الثوري: إذا كثر القمل على المحرم فقتلها كفر، وقال أبو ثور: لا شيء على المحرم في قتل القمل قل أو كثر، وكذلك قال داود، وهو قول طاووس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وجابر بن زيد»، ثم ذكر بأن مالكا وعطاء وقتادة ممن يقول بالكفارة. [وانظر أيضا: ما قال أبو الوليد الباجي في المنتقى (٢/ ١٩٠)].
وانظر كلام أبي الوليد الباجي في المنتقى (٢/ ٢٦٤) و (٣/ ٧٠)، في مسألة حك الرأس والجسد، ومراعاة عدم إزالة القمل عن موضعه، أو قتله، وقد أكثر في النقل عن مالك في هذا، وتكلم عن جزاء قتل القمل، وهل يجري ذلك مجرى الصيد أو مجرى إلقاء التفث، وما هو ضابط الفدية، أهو فيمن قتل قملة، أو فيمن أزال ما يبلغ مبلغ إماطة الأذى الذي ينتفع بإزالته وينقي جسمه منه، فعليه الفدية، وأن الأصل عندهم: المنع من قتل القمل، والمنع من إزالته وطرحه. وانظر أيضا: البيان والتحصيل لأبي الوليد ابن رشد (٣/ ٤١٣ و ٤٦٦ و ٤٧٦). المسالك في شرح الموطأ لابن العربي (٤/ ٢٨٦ و ٣٧٩). بداية المجتهد (٢/ ٩٤). المبسوط للسرخسي (٤/ ٩١). المحيط البرهاني (٢/ ٤٣٩). وكل ما ذهبوا إليه في ذلك مجانب للصواب، وقد سبق بيان حكم المسألة، وأنه قد ثبت عن ابن عمر وابن عباس جواز قتل القمل، وأن لا حرج في ذلك، ولا فدية، وليس فيما أتوا به: دليل صحيح صريح من كتاب، أو سنة، أو إجماع.
وانظر كلام اللخمي في التبصرة (٣/ ١٢٨٨) عن كراهية التدليك خشية تنقية الجسد من الوسخ، أو خشية قتل القمل إن غمس رأسه في الماء، كما كره للمحرم دخول الحمام؛ لأنه إن اغتسل فيه فإن الشعث يذهب عنه، ويزول الوسخ بصب الماء بعد عرقه فيه، وإن لم يتدلك؛ فأقول: سبحان الله! كيف يتعبدنا الله بإبقاء الأوساخ على الأبدان؟! والسنة طافحة بالأدلة الكثيرة في الحرص على نظافة بدن المسلم، والحض على إزالة الوسخ والدرن، وأن ذلك من سنن الفطرة، بل وجاءت الأحاديث الصحيحة تدل على الحرص على نظافة بدن المحرم، مثل اغتسال النبي ﷺ، وأمر عائشة بالاغتسال ونقض الرأس والامتشاط وهي محرمة، والأمر بغسل بدن المحرم الميت بالماء والسدر، والخطمي والأشنان في معناه، بل قد ثبت عن ابن عباس بإسناد صحيح على شرط البخاري؛ أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم، وقال:«إن الله لا يصنع بأوساخكم شيئا»، وقال الشافعي:«ليس في الوسخ نسك، ولا أمر نهي عنه»، وقد ثبت اغتسال المحرم وغسل رأسه وغمسه في الماء: عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وجابر، وميمونة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وقال أبو المحاسن الروياني في بحر المذهب (٤/ ٧٦): «لو قتل قملة ظاهرة على