ودليلنا: ما روي عن ابن عباس أنه دخل حمام الجحفة محرماً، وقال: ما يعبأ الله بأوساخكم شيئاً. قال الشافعي: وليس في الوسخ نسك، ولا أمر نهي عنه، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال:«المؤمن نظيف»، وروي عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال: نعم البيت ينقي الدرن ويذكر النار».
• وقال ابن حزم في المحلى (٥/ ٢٧٨)(٨/ ٤٥٧ - ط بشار): «وجائز للمحرم دخول الحمام، والتدلك، وغسل رأسه بالخطمي والطين، والاكتحال، والتسوك، والنظر في المرآة، وشم الريحان، وغسل ثيابه، وقص أظفاره وشاربه، ونتف إبطه، والتنور، ولا حرج في شيء من ذلك، ولا شيء عليه فيه؛ لأنه لم يأتِ في منعه من كل ما ذكرنا قرآن ولا سنة، ومدعي الإجماع في شيء من ذلك: كاذب على جميع الأمة، قائل ما لا علم به، ومن أوجب في ذلك غرامةً فقد أوجب شرعاً في الدين لم يأذن به الله تعالى!
وقد اختلف السلف في هذا: روينا من طريق أيوب السختياني، عن عكرمة؛ أن ابن عباس دخل حمام الجحفة وهو محرم، وقال: إن الله تعالى لا يصنع بوسخ المحرم شيئاً. وأنه قال: المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، إن انكسر ظفره طرحه، أميطوا عنكم الأذى إن الله لا يصنع بأذاكم شيئاً. وأنه كان لا يرى بشم الريحان للمحرم بأساً، وأن يقطع ظفره إذا انكسر، ويقلع ضرسه إذا آذاه»، ثم ذكر الآثار الواردة في التماقل، ثم قال:«ورأى مالك على من غيب رأسه في الماء الفدية، وخالف كل من ذكرنا»، ثم استدل بحديث أبي أيوب، وأمر رسول الله ﷺ عائشة أم المؤمنين بأن تنقض رأسها وتمتشط وهي محرمة، وأثر ابن عمر قال: لا بأس أن يغسل المحرم ثيابه، وقوله عن غسل المحرم ثيابه: لا بأس به إن الله لا يصنع بدرنك شيئاً [ولا يثبتان عن ابن عمر]، وأثر عكرمة قال: لا بأس أن تمشط المرأة المحرمة المرأة المحرمة وتقتل قمل غيرها، وعن عطاء، وإبراهيم النخعي قالا: لا بأس بدخول المحرم الحمام، وهو قول أبي حنيفة، وسفيان الثوري، والشافعي، وداود.
إلى أن قال:«فإن ذكروا قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩]، قلنا: روينا عن ابن عمر، قال: التفث: ما عليهم من الحج، وقد أخبر رسول الله ﷺ: أن من الفطرة: قص الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الشارب، والفطرة سنة لا يجوز تعديها، ولم يخص ﵇ محرماً من غيره، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤].
والعجب كله ممن يجعل فيمن فعل ما أُمِرَ به من ذلك، أو أُبيح له ولم يُنه عنه: كفارة أو غرامة، ثم لا يجعل على المحرم في فسوقه ومعاصيه وارتكابه الكبائر شيئاً؛ لا فدية، ولا غرامة، بل يرى حجه بذلك تاماً مبروراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل».
• وقال القاضي أبو يعلى الفراء في التعليقة الكبيرة (١/ ٤٤٤): «مسألة: إذا غسل المحرم رأسه بالسدر والخطمي لم تلزمه الفدية في إحدى الروايتين:
قال في رواية حنبل: المحرم يدخل الحمام، وليس عليه كفارة، ولا بأس أن يغسل المحرم رأسه وثوبه. فقد أطلق القول في ذلك.