ثم قال (٣/ ٢٥٨): «كره جابر بن عبد الله، ومالك: غسل المحرم رأسه بالخطمي. وقال مالك: عليه الفدية، وبه قال النعمان. وقال يعقوب، ومحمد: عليه صدقة. وقال الشافعي: لا يغسل المحرم رأسه بسدر ولا خطمي. وقال أبو ثور: إن فعل ذلك فلا شيء عليه.
وقد روينا عن طاووس، ومجاهد، وعطاء؛ أنهم رخصوا لمن لبد رأسه فشق عليه الحلق، له أن يغسله بالخطمي حتى يلين. وكان ابن عمر يفعل ذلك.
قال أبو بكر: ذلك مباح؛ لأن النبي ﷺ أمرهم أن يغسلوا الميت المحرم بماء وسدر، وقد أمرهم أن يجنبوه مما يجتنب المحرم الحي؛ فدل ذلك على إباحة غسل الرأس بالسدر للمحرم، والخطمي في معناه».
• قلت: أما أثر جابر؛ فقد صح عنه:
• رواه وكيع بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أنه كره أن تغسل المرأة رأسها بخطمي. يعني: إذا أرادت أن تقصر. [أخرجه ابن أبي شيبة (٨/ ٤٦٢/ ١٥٥٧٦ - ط الشثري)] [وهو صحيح موقوفاً].
• وأما أثر طاووس، ومجاهد، وعطاء [ففي سنده ليث بن أبي سليم، وهو: ضعيف؛ لاختلاطه] [أخرجه ابن أبي شيبة (٨/ ٤٦١/ ١٥٥٧٤ - ط الشثري)].
• وأما أثر ابن عمر؛ فقد رواه علي بن مسهر، عن عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان لا يرى بأساً إذا رمى الجمرة أن يغسل رأسه بالخطمي قبل أن يحلقه. [وهو موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح] [أخرجه ابن أبي شيبة (٨/ ٤٦١/ ١٥٥٧١ - ط الشثري)].
• ورواه أيضاً: حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يغسل رأسه بالخطمي قبل أن يحلقه، قال: وكان عطاء يكرهه. [وهو موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح] [أخرجه ابن أبي شيبة (٨/ ٤٦٢/ ١٥٥٧٧ - ط الشثري)].
قلت: وهذا كله لا إشكال فيه؛ لأن المحرم إذا رمى الجمرة فقد حل له كل شيء إلا النساء، على ما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى.
والصواب في هذا قول أبي ثور، وابن المنذر: أن لا حرج على المحرم في استعمال الخطمي، والسدر والأشنان، وكل ما ينظف شعر الرأس، ويحدث به رغوة مع الماء، ويزيل ما يعلق به؛ لأنه وإن أزال الشعث مؤقتاً، فإنه سرعان ما يعود إليه الشعث؛ لأجل السفر والتعرض الدائم للريح والشمس والغبار، ودليل ما قلت:
• أن النبي ﷺ أمر عائشة بالاغتسال ونقض الرأس والامتشاط وهي محرمة، لكي تدخل الحج على العمرة، فتصير قارنة:
• رواه هشام بن عروة: أخبرني أبي، قال: أخبرتني عائشة ﵂، قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ موافين لهلال ذي الحجة … . فذكر الحديث، إلى أن قالت: وكنت ممن