يرويه: سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وروح بن عبادة [وهم ثقات]:
عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن [بصري]، ثقة، سمع أباه، عن أبيه [بصري، ثقة، سمع ابن عباس]؛ أن رجلاً قال لابن عباس وهو في الحج وهو محرم: أحك رأسي وأنا محرم؟ فجمع ابن عباس يديه جميعاً، فحك بهما رأسه، قال: أما أنا فأقول هكذا.
فقال له الرجل: أرأيتَ إن قتلتُ قملة؟ فقال: بعُدَتْ! وما القملة مانعتي من حك رأسي، وما نهيتم إلا عن الصيد. [لفظ ابن عيينة عند ابن أبي شيبة].
ولفظ وكيع [عند ابن حزم]: كنت عند ابن عباس، فسأله رجل: أحك رأسي وأنا محرم؟ فحك ابن عباس رأسه حكاً شديداً؛ فقال الرجل: أفرأيت إن قتلت قملة؟ قال: بعدت، ما القملة مانعتي أن أحك رأسي وإياها أردت؛ وما نهيتم إلا عن الصيد.
ولفظ روح [عند البيهقي]: قال رجل لابن عباس: أحك رأسي وأنا محرم؟ قال: فأدخل ابن عباس يده في شعره وهو محرم، فحك رأسه بها حكاً شديداً، قال: أما أنا فاصنع هكذا، قال: أفرأيت إن قتلتُ قملة؟ قال: بعُدت ما للقملة ما يغني من حك رأسك، وما إياها أردت وما نهيتم إلا عن قتل الصيد.
أخرجه ابن أبي شيبة (٨/ ٥٨٥/ ١٥١٨٠ - ط عوامة)(٨/ ٤٧٠/ ١٥٦٢٠ و ١٥٦٢١ - ط الشثري)، وابن حزم في المحلى (٥/ ٢٧٦)، والبيهقي (٥/ ٢١٣).
وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح.
وفيه دلائل على جواز قتل المحرم القمل من رأسه أحدها: أنه حك رأسه حكاً شديداً، مما يلزم منه قتل القمل، أو إسقاطه من الرأس، والثاني: قول ابن عباس عن قتل القملة: بعدت أي: بُعداً لها، بُعداً لها، وقد آذتني، ففيه إشارة إلى إباحة قتل القمل، والثالث: قوله: ما القملة مانعتي أن أحك رأسي وإياها أردت يعني: أنها هي التي تسببت بأذيتها أن أحك رأسي، وحك الرأس في موضع الألم يترتب عليه قتل القملة، فإنما أردت بحك رأسي إماطة الأذى عنه إما بتخفيف الألم، وإما بقتل المتسبب في الألم، وهي القملة، والرابع: قوله: وما نهيتم إلا عن قتل الصيد، والقملة ليست بصيد اتفاقاً، لأنها لا تؤكل، ولم يرد نص مرفوع إلى النبي ﷺ، ولا ثبت عن صحابي: النهي عن قتل القملة؛ فبقي دخولها في عموم الأدلة القاضية بإباحة قتل المعتدي المؤذي من الهوام، ثم إن غسل الرأس، أو الغطس في الماء، أو استعمال الخطمي والسدر، فإنه لا يزيل التفث بالكلية، ولا يعالج المشكلة، لأن القمل سريعاً ما يعود وينمو، ولا يقضي عنه التفث، ويرفع عنه الضرر إلا الحلاق، وأما قتل القمل بغسل الرأس وتفليته وتنظيفه، فإنما يخفف من حدة الآلام ولا يزيلها بالكلية، والله أعلم.
وروى سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت ميمون بن مهران، قال: