قلت: فالمرأة؟ قال: قال مالك: لا تكتحل المرأة لزينة. قلت: أفتكتحل بالإثمد في قول مالك لغير زينة؟ قال: قال مالك: الإثمد هو زينة، فلا تكتحل المحرمة به. قلت: فإن اضطرت إلى الإثمد من وجع تجده في عينيها فاكتحلت، أيكون عليها في قول مالك الفدية؟ قال: لا فدية عليها، كذلك قال مالك؛ لأن الإثمد ليس بطيب، ولأنها إنما اكتحلت به لضرورة، ولم تكتحل به لزينة. قلت: فإن اكتحلت بالإثمد لزينة أيكون عليها الفدية في قول مالك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك.
قلت لابن القاسم: فما بال الرجل والمرأة جميعا إذا اكتحلا بالإثمد من ضرورة لم يجعل مالك عليهما الفدية، وإذا اكتحلا لزينة جعل عليهما الفدية؟ قال: ألا ترى أن المحرم إذا دهن يديه أو رجليه بالزيت - في قول مالك - للزينة كانت عليه الفدية، وإن دهن شقوقا في يديه أو رجليه بالزيت لم يكن عليه الفدية، فالضرورة عند مالك مخالفة لغير الضرورة في هذا، وإن كان الإثمد ليس بطيب فهو مثل الزيت عند مالك؛ لأن الزيت ليس بطيب. قلت: أرأيت إن أصاب المحرم الرمد، فداواه بدواء فيه طيب مرارا، أيكون عليه كفارة واحدة في قول مالك، أم كفارة لكل مرة؟ قال: بل كفارة واحدة لجميع ما داوى به رمده ذلك، قال: فإن انقطع رمده ذلك، ثم رمد بعد ذلك أيضا، فداواه فعليه فدية أخرى؛ لأن هذا وجع غير الأول، وأمر مبتدأ، وكذلك قال لي مالك.
قلت: و «كذلك القرحة تكون في الجسد فيداويها بدواء فيه طيب مرارا؟ قال: نعم في قول مالك، إذا أراد أن يداويها حتى تبرأ؛ فليس عليه إلا فدية واحدة. قال: فإن ظهرت به قرحة أخرى في جسده فداواها بذلك الدواء الذي فيه الطيب، فإن عليه كفارة مستقبلة لهذه القرحة الحادثة، لأن هذا دواء تداوى به مبتدأ فيه طيب. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم … ». [وانظر أيضا: التهذيب في اختصار المدونة (١/ ٦٠٦). التفريع في فقه مالك (١/ ٢٠١). النوادر والزيادات (٢/ ٣٥٠). التبصرة للخمي (٣/ ١٢٩٦). العارضة لابن العربي (٤/ ١٧٦). الذخيرة للقرافي (٣/ ٣٤٥)].
ونقل ابن يونس الصقلي في الجامع لمسائل المدونة (٥/ ٦٦٩) بعض كلام ابن القاسم من المدونة، ثم عقب على كلام ابن القاسم في التفريق عند مالك بين الضرورة وغيرها فقال:«وإنما فرق بين هذا وبين اللباس والطيب؛ لأن هذا لم يرد نص في اجتنابه كما ورد في الطيب واللباس، وقد قال ﵇ لمن آذاه هوام رأسه احلق وافتد، فرأى مالك أن ما ورد النص في اجتنابه لا تسقط الضرورة الفدية عن فاعله قياسا على حلق الرأس، وما لم يرد نص في اجتنابه خففه في الضرورة؛ لأن ذلك حرج، والله رؤوف بعباده».
وقال عبد الملك بن حبيب في الواضحة (١٧٠ - الصلاة والحج): «واجتنب كحل الإثمد في إحرامك ما لم تضطر إليه - كان فيه طيب أو لم يكن ـ، فقد أخبرني ابن الماجشون عن مالك أنه كرهه للمحرم والمحرمة لأنه من الزينة، وقال: هو للرجل أخف».
وبلغني كراهيته للرجال والنساء عن عائشة ﵂، وعن عطاء وربيعة.