ومن العجائب: ما قال ابن العربي في العارضة (٣/ ٤٠٤ - ط أسفار) عن هذا الحديث: «ذكر حديث نبيه بن وهب، وصححه، وضعفه البخاري. وقد روى الترمذي، عن أنس، أن رجلا شكي إلي النبي ﷺ فقال: أأكتحل؟ قال: «نعم». وضعفه، وقال: لا يصح في هذا الباب شيء».
قلت: أما تضعيف البخاري لهذا الحديث؛ فلا يؤثر عنه.
وأما ما عزاه للترمذي من حديث أنس:
فقد أخرجه الترمذي في باب ما جاء في الكحل للصائم، الحديث رقم (٧٢٦)، قال: حدثنا عبد الأعلى بن واصل [ثقة]، قال: حدثنا الحسن بن عطية [الحسن بن عطية بن نجيح القرشي الكوفي: صدوق]، قال: حدثنا أبو عاتكة، عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: اشتكت عيني، أفأكتحل وأنا صائم؟ قال:«نعم». [التحفة (٩٢٢). المسند المصنف (٢/ ١٥٧/ ٦٨٥)].
ثم قال الترمذي:«وفي الباب عن أبي رافع. حديث أنس: حديث ليس إسناده بالقوي، ولا يصح عن النبي ﷺ في هذا الباب شيء، وأبو عاتكة»: يضعف.
واختلف أهل العلم في الكحل للصائم فكرهه بعضهم، وهو قول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق، ورخص بعض أهل العلم في الكحل للصائم، وهو قول الشافعي.
قلت: وحديثه هذا حديث باطل؛ أبو عاتكة طريف بن سلمان: منكر الحديث، ذاهب الحديث، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، وقال ابن عدي:«وعامة ما يرويه عن أنس: لا يتابعه عليه أحد من الثقات» [التهذيب (١٥/ ٣٨٣) - ط دار البر. المجروحين (١/ ٣٨٢). الكامل (٤/ ١١٨)]، ثم إنه في اكتحال الصائم، لا في اكتحال المحرم، وقد اختصر ابن العربي منه ما يدل على المطلوب، فأوهم القارئ أنه في اكتحال المحرم، ثم إن الترمذي ضعفه، وضعف ما جاء في باب الكحل للصائم، لكن نقل ابن العربي أوهم تضعيف كل ما جاء في اكتحال المحرم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
هـ غريب الحديث:
المقصود بالضماد هنا: وضع الدواء على الجرح، ولطخه به، فيوضع الصبر على العين، وتضمد به، أي تلطخ به، وقد يراد به المعنى الآخر، وهو الخرقة التي تلف على الجرح مع لطخها بالدواء، قال الأزهري في التهذيب (١٢/٦): «قال الليث: ضمدت رأسه بالضماد وهي خرقة تلف على الرأس عند الادهان والغسل ونحو ذلك. وقد يوضع الضماد على الرأس للصداع يضمد به … ، قال شمر: يقال: ضمدت الجرح: إذا جعلت عليه الدواء. وقال: ضمدته بالزعفران والصبر، أي: لطخته، وضمدت رأسه: إذا لففته بخرقة».
وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار (٢/ ٥٩)، وابن قرقول في مطالع الأنوار