احتاج إلى الحجامة فعليه الفدية، كما أمر بذلك كعب بن عجرة إذ كان بالحديبية، فلما لم يفعل شيئا من ذلك مع الحاجة إلى البيان، دل على عدم الوقوع، وتأخير البيان عن وقته ممتنع، فسكوته عن إيجابها مع الحاجة إلى بيانها - لو كانت واجبة - دليل على عدم الوجوب، ودل على عدم دخول ذلك تحت منطوق الآية: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهُدْيُ مَحِلَّهُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَّأْسِهِ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، والله أعلم.
• وقال ابن قدامة في المغني (٤/ ٣٥٠): «الفصل الثاني: أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم. وبه قال: إسحاق، وابن المنذر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. وهو قول عطاء، وعبد الرحمن بن مهدي. وكان الحسن، ومسروق، وابن سيرين، لا يرون للصائم أن يحتجم.
وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا في الصوم منهم: ابن عمر، وابن عباس، وأبو موسى، وأنس بن مالك، ورخص فيها: أبو سعيد الخدري، وابن مسعود، وأم سلمة، وحسين بن علي، وعروة، وسعيد بن جبير.
وقال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي: يجوز للصائم أن يحتجم، ولا يفطر؛ لما روى البخاري، عن ابن عباس، أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم.
ولأنه دم خارج من البدن، أشبه الفصد.
ولنا: قول النبي ﷺ: «أفطر الحاجم والمحجوم»، رواه عن النبي ﷺ أحد عشر نفسا، قال أحمد: حديث شداد بن أوس من أصح حديث يروى في هذا الباب، وإسناد حديث رافع إسناد جيد. وقال: حديث شداد وثوبان صحيحان، وعن علي بن المديني، أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث شداد وثوبان.
وحديثهم منسوخ بحديثنا، بدليل ما روى ابن عباس، أنه قال: احتجم رسول الله ﷺ بالقاحة بقرن وناب، وهو محرم صائم، فوجد لذلك ضعفا شديدا، فنهى رسول الله ﷺ أن يحتجم الصائم. رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المترجم [قلت: لم أقف عليه، ويبدو أنه لا أصل له]، وعن الحكم، قال: احتجم رسول الله ﷺ وهو صائم، فضعف، ثم كرهت الحجامة للصائم. وكان ابن عباس - وهو راوي حديثهم - يعد الحجام والمحاجم، فإذا غابت الشمس احتجم بالليل. كذلك رواه الجوزجاني. [هذا مروي عن ابن عمر، كما تقدم ذكره في الشواهد]. وهذا يدل على أنه علم نسخ الحديث الذي رواه.
ويحتمل أن النبي ﷺ احتجم فأفطر، كما روي عنه ﵇ أنه قاء فأفطر … .»، إلى آخر كلامه. وانظر: شرح مختصر الخرقي لشمس الدين الزركشي [(٢/ ٥٧٠)].
• وممن انتصر لأحمد في أن الحجامة تفطر الصائم، وأطال النفس في ذلك: ابن تيمية في شرح العمدة (٣/ ٣٢٩ - ط عطاءات العلم).
• وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ١٢٦): «مسألة»: قال: وله أن يحتجم، ولا يقطع شعرا.