أما الحجامة إذا لم يقطع شعرا: فمباحة من غير فدية، في قول الجمهور؛ لأنه تداو بإخراج دم، فأشبه الفصد، وبط الجرح. وقال مالك: لا يحتجم إلا من ضرورة، وكان الحسن يرى في الحجامة دما.
ولنا: أن ابن عباس روى: أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم. متفق عليه. ولم يذكر فدية، ولأنه لا يترفه بذلك، فأشبه شرب الأدوية. وكذلك الحكم في قطع العضو عند الحاجة، والختان، كل ذلك مباح من غير فدية.
فإن احتاج في الحجامة إلى قطع شعر، فله قطعه؛ لما روى عبد الله بن بحينة: أن رسول الله ﷺ احتجم بلحي جمل، في طريق مكة، وهو محرم، وسط رأسه. متفق عليه. ومن ضرورة ذلك قطع الشعر. ولأنه يباح حلق الشعر لإزالة أذى القمل، فكذلك هاهنا. وعليه الفدية.
وبهذا قال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وابن المنذر. وقال صاحبا أبي حنيفة: يتصدق بشيء.
ولنا: قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ﴾ الآية، ولأنه حلق شعر لإزالة ضرر غيره، فلزمته الفدية، كما لو حلقه لإزالة قمله.
فأما إن قطع عضوا عليه شعر، أو جلدة عليها شعر، فلا فدية عليه، لأنه زال تبعا لما لا فدية فيه.
* وقال النووي في المجموع (٦/ ٣٤٩): قال الشافعي والأصحاب: تجوز الحجامة للصائم ولا تفطره، ولكن الأولى تركها، هذا هو المنصوص، وبه قطع الجمهور، وقال جماعة من أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث: يفطر بالحجامة، ممن قاله منهم: أبو بكر ابن المنذر وأبو بكر ابن خزيمة، وأبو الوليد النيسابوري، والحاكم أبو عبد الله.
ثم قال: «مذهبنا: أنه لا يفطر بها لا الحاجم ولا المحجوم، وبه قال: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأم سلمة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والشعبي، والنخعي، ومالك، والثوري، وأبو حنيفة، وداود، وغيرهم، قال صاحب الحاوي: وبه قال أكثر الصحابة وأكثر الفقهاء.
وقال جماعة من العلماء: الحجامة تفطر، وهو قول علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وعائشة، والحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وابن خزيمة. قال الخطابي: قال أحمد وإسحاق: يفطر الحاجم والمحجوم، وعليهما القضاء دون الكفارة، وقال عطاء: يلزم المحتجم في رمضان القضاء والكفارة».
وقال أيضا (٧/ ٣٥٥): قال الشافعي والأصحاب للمحرم أن يحتجم ويفتصد ويقطع العرق، ما لم يقطع شعرا، ولا فدية عليه. هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال جمهور العلماء، منهم: مسروق، وعطاء، وعبيد بن عمير، والثوري، وأحمد، واسحاق، وابن المنذر، وقال ابن عمر ومالك: ليس له الحجامة إلا من ضرورة … .، قال