في صحيحه (٨/ ٣٠٦): «هذان خبران قد أوهما عالما من الناس أنهما متضادان»، وليسا كذلك؛ لأنه ﷺ احتجم وهو صائم محرم، ولم يرو عنه ﷺ في خبر صحيح أنه احتجم وهو صائم دون الإحرام، ولم يكن له محرما قط إلا وهو مسافر، والمسافر قد أبيح له الإفطار: إن شاء بالحجامة، وإن شاء بالشربة من الماء، وإن شاء بالشربة من اللبن أو بما شاء من الأشياء. وقوله ﷺ: «أفطر الحاجم والمحجوم لفظة إخبار عن فعل مرادها الزجر عن استعمال ذلك الفعل نفسه».
• وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ٢٥٧): «ثبت أن رسول الله ﷺ احتجم وهو محرم
واختلفوا في حجامة المحرم، فرخص فيه مسروق، وعطاء، وعبيد بن عمير، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق؛ ما لم يقطع الشعر.
وقال قوم: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة، ثبت ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك.
وروينا عن الحسن أنه كان يرى على المحرم يحتجم دما يهريقه.
قال أبو بكر: للمحرم أن يحتجم من علة؛ للأخبار التي رويناها في ذلك، ولا شيء عليه إن احتجم بغير ضرورة، وعليه إن حلق موضع المحاجم الفدية».
• وقال ابن حزم في المحلى (٥/ ٢٩٣) (٨/ ٥٠٠ - ت بشار) فيمن احتجم وهو محرم: «لم يخبر ﵇ أن في ذلك غرامة ولا فدية، ولو وجبت لما أغفل ذلك، وكان ﵇ كثير الشعر أفرع، وإنما نهينا عن حلق الرأس في الإحرام والقفا ليس رأسا ولا هو من الرأس.
فإن ذكروا ما روينا: عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه أمر محرما احتجم أن يفتدي بصيام، أو صدقة، أو نسك؛ فإن اضطر إلى ذلك فلا شيء عليه.
فهذا عليهم؛ لأنهم خالفوه في موضعين أحدهما: أنه أوجب الدم ولم يشترط إن حلق لها شعرا. والثاني: أنه لم يوجب شيئا على من اضطر إليها، وهم لا يقولون بهذا.
وروينا عن مسروق؛ أنه قال: يحتجم المحرم، ولا يحتجم الصائم، ولم يشترط ترك حلق القفا. وعن طاووس: يحتجم المحرم إذا كان وجعا. وما نعلم من أوجب في ذلك حكما من التابعين؛ إلا الحسن، فإنه قال: من احتجم وهو محرم أراق دما. وعن إبراهيم، وعطاء: إن حلق مواضع المحاجم فعليه كفارة».
قلت: الجمهور استفاد الجواز من فعل النبي ﷺ أنه احتجم وهو محرم، واستفاد الفدية من حديث كعب بن عجرة، حيث جوز له فعل المحظور مع الافتداء.
والقول بإيجاب الفدية هنا ضعيف، فإن النبي ﷺ فعل ذلك، ونقله عنه: ابن عباس، وابن بحينة، وجابر، وأنس، ولم ينقل عنه واحد منهم أنه الله فدى، ولو فعل لنقل، ولم يأمر في شيء من هذه الأحاديث بالفدية، ولا نبه على ذلك بقوله حتى يرشد الناس أن من