وقال عبد الملك بن حبيب في الواضحة (١/ ١٧٢): «واجتنب الحجامة في إحرامك إلا أن تضطر إليها؛ فلا بأس بها عند الاضطرار، ولا فدية فيها ما لم تحلق لها شعرا؛ وكذلك قال مالك وربيعة».
وقال محمد بن الحسن في موطئه (١٤٤): «لا بأس بأن يحتجم المحرم، ولكن لا يحلق شعرا، بلغنا عن النبي ﷺ أنه احتجم وهو صائم محرم، فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة ﵀ والعامة من فقهائنا».
وقال في موضع آخر (١٧٤) بعد مرسل سليمان بن يسار: «وبهذا نأخذ، لا بأس بأن يحتجم الرجل وهو محرم، اضطر إليه، أو لم يضطر؛ إلا أنه لا يحلق شعرا، وهو قول أبي حنيفة». وقال نحوه في الآثار (١/ ٣٤٢/ ٣٤٨).
وقال في الحجة (٢/ ٢٥٦): «عن أبي حنيفة، قال: لا بأس بالحجامة للمحرم، اضطر أو لم يضطر، ما لم يحلق شعرا. وقال أهل المدينة: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة».
قال محمد: وكيف يقول هذا أهل المدينة؟! وقد احتجم رسول الله ﷺ وهو محرم، وما ذكر في ذلك ضرورة ولا غيرها، وقد ذكر ذلك فقيهكم وصاحبكم مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن رسول الله ﷺ احتجم وهو محرم، فوق رأسه، «وهو يومئذ بلحيي جمل، مكان بطريق مكة. فما ذكر ضرورة ولا غيرها».
وقال الشافعي في الأم (٣/ ٥٣٠): «فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة».
وقال الربيع بن سليمان المرادي (٨/ ٥٨٠): «سألت الشافعي عن الحجامة للمحرم؟ فقال: يحتجم ولا يحلق شعرا، ويحتجم من غير ضرورة. فقلت: وما الحجة؟ … » فأسند الشافعي مرسل سليمان بن يسار، ثم حديث عمرو بن دينار، عن عطاء وطاووس، عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم. ثم قال: فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة؟ قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يقول: لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر إليه مما لا بد منه. وقال مالك مثل ذلك. قال الشافعي: ما روى مالك عن النبي ﷺ أنه لم يذكر في حجامة النبي ﷺ هو ولا غيره: ضرورة؛ أولى بنا من الذي رواه عن ابن عمر، ولعل ابن عمر كره ذلك ولم يحرمه، ولعل ابن عمر أن لا يكون سمع هذا عن النبي ﷺ، ولو سمعه ما خالفه - إن شاء الله - فقال برأيه، فكيف إذا سمعت هذا عن النبي ﷺ، قلت بخلاف ما سمعت عنه؛ لقول ابن عمر؟ وأنتم لم تثبتوا أن ابن عمر كرهه للناس؟ قد يتوقى المرء في نفسه ما لا يكره لغيره، وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم، أفرأيتم إن كرهتم الحجامة إلا من ضرورة، أتعدو الحجامة من أن تكون مباحة له كما يباح له الاغتسال والأكل والشرب؟ فلا يبالي كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر، أو تكون محظورة عليه كحلاق الشعر وغيره؟ فالذي