أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم. وهؤلاء أصحاب ابن عباس، لا يذكرون: صائما.
وقال حنبل: حدثنا أبو عبد الله: حدثنا وكيع، عن ياسين الزيات، عن رجل، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله ﷺ احتجم في رمضان بعدما قال:«أفطر الحاجم والمحجوم». قال أبو عبد الله: الرجل أراه أبان بن أبي عياش، يعني: ولا يحتج به.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: روى محمد بن معاوية النيسابوري، عن أبي عوانة، عن السدي، عن أنس؛ أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم. فأنكر هذا، ثم قال: السدي عن أنس؟ قلت: نعم، فعجب من هذا.
قال أحمد: وفي قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم غير حديث ثابت، وقال إسحاق: قد ثبت هذا من خمسة أوجه عن النبي ﷺ والمقصود أنه لم يصح عنه ﷺ: أنه احتجم وهو صائم».
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (٢/ ٣٦٦): «حديث: أنه ﷺ احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع. البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث ابن عباس، دون قوله: في حجة الوداع؛ فإنا لم نرها صريحة في شيء من الأحاديث، لكن لفظ البخاري: احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم. وله طرق عند النسائي غير هذه وهاها وأعلها، واستشكل كونه ﷺ جمع بين الصيام والإحرام؛ لأنه لم يكن شأنه التطوع بالصيام في السفر، ولم يكن محرما إلا وهو مسافر، ولم يسافر في رمضان إلى جهة الإحرام إلا في غزاة الفتح، ولم يكن حينئذ محرما، … »، ثم تعقب ذلك نصرة للمذهب الشافعي باحتمالات ذهنية فيها نظر، والصواب ما قدمنا من كون جميع طرق حديث: احتجم وهو صائم: معلولة.
ثم قال (٢/ ٣٦٨): «وروى قاسم بن أصبغ، من طريق الحميدي، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس مثله، ثم قال: قال الحميدي: هذا ريح؛ لأنه لم يكن صائما محرما؛ لأنه خرج في رمضان في غزاة الفتح، ولم يكن محرما».
ولعلي أذكر طرفا من أقوال الفقهاء والمحدثين في حجامة الصائم، وحجامة المحرم، ومن قال بالفدية في ذلك:
• قال مالك في الموطأ (١/ ٤٧٠/ ١٠٠٤ - رواية يحيى الليثي)(١١٩١ - رواية أبي مصعب): «والمحرم لا يحتجم إلا من ضرورة».
وقال مالك في الموطأ (٤١) - رواية أبي مصعب:«لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره.
ولو أن رجلا احتجم في رمضان، ثم سلم من أن يفطر، لم أر عليه شيئا، ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه، لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام، فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي، فلا أرى عليه شيئا، وليس عليه قضاء ذلك اليوم».