الثالث: أنه ليس فيه بيان للتاريخ، ولا يدل على أن هذا الترخيص كان بعد الفتح، وقولكم: إن الرخصة لا تكون إلا بعد النهي، باطل بنفس الحديث، فإن فيه: رخص رسول الله ﷺ في القبلة للصائم، ولم يتقدم منه نهي عنها، ولا قال أحد إن هذا الترخيص فيها ناسخ لمنع تقدم، وفي الحديث: إن الماء من الماء كانت رخصة في أول الإسلام، فسمى الحكم المنسوخ رخصة، مع أنه لم يتقدم حظره، بل المنع منه متأخر. وبالجملة، فهذه المآخذ لا تفيد مقاومة لأحاديث الفطر، ولا تأخرا عنها، فكيف تنسخ بها؟!
قالوا: وأما جوابكم الثالث بأن الفطر فيها لم يكن للحجامة، «وذكر الحاجم للتعريف المحض، كزيد وعمرو؛ ففي غاية البطلان من وجوه: … »، فشرع في بيانها، وأطال النفس في ذلك، ورد كذلك على من علق الفطر بالغيبة، ثم كر على بقية أجوبة المرخصين حتى أتى عليها، وليس هذا موضع تفصيل ذلك، ولكني أقتصر على ما له تعلق بحديث: احتجم وهو صائم لبيان علته ورده، وأنه لا يحفظ في الباب حديث صحيح، ولو صح لكان متأولا. وقال في زاد المعاد (٢/ ٧٥ - ط عطاءات العلم): ولا يصح عنه: أنه احتجم وهو صائم، قاله الإمام أحمد. وقد رواه البخاري في صحيحه. قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: قال شعبة: لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة والصيام، يعني: حديث شعبة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم محرم.
قال مهنا: وسألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم محرم؟ فقال: ليس بصحيح، قد أنكره يحيى بن سعيد على الأنصاري، إنما كانت أحاديث ميمون بن مهران عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديثا. وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله ذكر هذا الحديث فضعفه.
وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث قبيصة، عن سفيان عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: احتجم النبي ﷺ صائما محرما؟ فقال: هو خطأ من قبل قبيصة، وسألت يحيى عن قبيصة بن عقبة؟ فقال: رجل صدق والحديث الذي يحدث به عن سفيان عن سعيد بن جبير خطأ من قبله. قال أحمد: هو في كتاب الأشجعي عن سعيد بن جبير مرسلا: أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم، لا يذكر فيه: صائما.
قال مهنا: وسألت أحمد عن حديث ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم محرم؟ فقال: ليس فيه صائم، إنما هو محرم، ذكره سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس: احتجم النبي ﷺ على رأسه وهو محرم. وعبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: احتجم النبي ﷺ وهو محرم. وروح، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عطاء وطاووس، عن ابن عباس: