أما جواب المعللين فباطل، فإن الأئمة العارفين بهذا الشأن قد تظاهرت أقوالهم بتصحيح بعضها كما تقدم. والباقي: إما حسن يصلح للاحتجاج به وحده، وإما ضعيف، فهو يصلح للشواهد والمتابعات، وليس العمدة عليه، وممن صحح ذلك: أحمد، وإسحاق، وعلي ابن المديني، وإبراهيم الحربي، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبخاري، وابن المنذر.
وكل من له علم بالحديث يشهد بأن هذا الأصل محفوظ عن النبي ﷺ لتعدد طرقه، وثقة رواته واشتهارهم بالعدالة.
قالوا: والعجب ممن يذهب إلى أحاديث الجهر بالبسملة، وهي دون هذه الأحاديث في الشهرة والصحة، ويترك هذه الأحاديث، وكذلك أحاديث الفطر بالقيء مع ضعفها وقلتها! وأين تقع من أحاديث الفطر بالحجامة؟! وكذلك أحاديث الإتمام في السفر، وأحاديث أقل الحيض وأكثره، وأحاديث تقدير المهر بعشرة دراهم، وأحاديث الوضوء بنبيذ التمر، وأحاديث الشهادة في النكاح، وأحاديث التيمم ضربتان، وأحاديث المنع من فسخ الحج إلى التمتع، وأحاديث تحريم القراءة على الجنب والحائض، وأحاديث تقدير الماء الذي يحمل النجاسة بالقلتين؛ قالوا: وأحاديث الفطر بالحجامة أقوى وأشهر وأعرف من هذه، بل ليست دون أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر.
وأما قول بعض أهل الحديث: لا يصح في الفطر بالحجامة حديث، فمجازفة باطلة أنكرها أئمة الحديث، كالإمام أحمد، لما حكي له قول ابن معين أنكره عليه. ثم في هذه الحكاية عنه أنه لا يصح في مس الذكر حديث، ولا في النكاح بلا ولي، ولم يلتفت القائلون بذلك إلى قوله.
وأما تطرق التعليل إليها، فمن نظر في عللها واختلاف طرقها، أفاده ذلك علما لا يشك فيه بأن الحديث محفوظ. وعلى قول جمهور الفقهاء والأصوليين لا يلتفت إلى شيء من تلك العلل، فإنها بين تعليل بوقف بعض الرواة وقد رفعها آخرون، أو إرسالها وقد وصلها آخرون، وهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة. قالوا: فعلى قول منازعينا هذه العلل باطلة، لا يلتفت إلى شيء منها. وقد ذكرت عللها والأجوبة عنها في مصنف مفرد في المسألة.
قالوا: وأما دعوى النسخ فلا سبيل إلى صحتها، ونحن نذكر ما احتجوا به على النسخ ثم نبين ما فيه.
قالوا: قد صح عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم محرم. قال الشافعي: وسماع ابن عباس عن النبي ﷺ عام الفتح، ولم يكن يومئذ محرما، ولم يصحبه محرما قبل حجة الإسلام. فذكر ابن عباس حجامة النبي ﷺ عام حجة الإسلام سنة عشر، وحديث:«أفطر الحاجم والمحجوم» سنة ثمان، فإن كانا ثابتين فحديث ابن عباس ناسخ.
قالوا: ويدل على النسخ حديث أنس في قصة جعفر، وقد تقدم. قالوا: ويدل عليه حديث أبي سعيد في الرخصة فيها، والرخصة لا تكون إلا بعد تقدم المنع.