وقال عن الآخر: الصحيح في هذا الخبر أنه منقطع غير متصل، والذي وصله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن: ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه؛ لسوء حفظه للأسانيد، لأنه رجل صنعته العبادة والتقشف والموعظة، وليس من أحلاس الحديث الذي يحفظ الإسناد. وقال أبو بكر: سمعت محمد بن يحيى، يقول: هذا الحديث غير محفوظ عن أبي سعيد، ولا عن عطاء بن يسار، والمحفوظ عندنا حديث سفيان ومعمر. يعني: أنهما روياه عن زيد بن أسلم، عن صاحب له، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ.
ثم إن صح هذا الحديث فهو منسوخ بحديث:«أفطر الحاجم والمحجوم»، ويدل على ذلك أن فيه القيء والاحتلام، ومعلوم أنه لو استقاء أو استمنى أفطر؛ فكذلك إذا احتجم، أو أنه محمول على ما إذا احتجم ساهيا أو حجم بغير اختياره، فإنه قرنه بالقيء والاحتلام، وهما يخرجان من المرء بغير اختياره، فكذلك ما ذكر معهما ينبغي أن يكون كذلك.
وأما حديث أنس أن الرخصة بعد النهي، فضعيف؛ فإن في الذي جوده الدارقطني: خالد بن مخلد، قال أحمد: له أحاديث مناكير، ولعل هذا من أنكرها؛ لأن أنسا ذكر أنهم كانوا يكرهون ذلك لأجل الجهد كما رواه البخاري، وهذه الكراهة باقية.
ولأن أحمد روى بإسناده عن هشام، عن محمد، قال: كان أنس إذا شق عليه الدم في الصوم، أرسل إلى الحجام عند غروب الشمس، فوضع المحاجم، فإذا غربت شرط. و «لو كان عنده إذن من النبي ﷺ في الحجامة لم يفعل مثل هذا، … ».
وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (٣/ ٢٧٢): حديث ابن عباس روي على أربعة أوجه: أحدها: احتجم رسول الله ﷺ وهو محرم. ولم يذكر الصيام. والثاني: احتجم وهو صائم. ولم يذكر الإحرام. والثالث: الجمع بينهما: احتجم وهو صائم محرم.
والرابع: الجمع بينهما على غير هذا الوجه؛ قال البخاري في صحيحه: ثنا معلى بن أسد: ثنا وهيب، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم.
فأما احتجامه وهو محرم فمجمع على صحته، واختلف في صحة احتجامه وهو صائم: فضعفه يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وغيرهما من الأئمة، وصححه البخاري والترمذي وغيرهما.
قال مهنا: سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم محرم؟ فقال: ليس فيه صائم، إنما هو محرم. قلت: من ذكره؟ قال: سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاووس عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم، وروح عن زكريا بن إسحاق عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس مثله، وعبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله: احتجم النبي ﷺ وهو محرم. قال أحمد: هؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما.