للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والذي يؤيد هذا القول وجوه أحدها ما روى أحمد، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أنه قال: إن رسول الله احتجم صائما محرما، فغشي عليه، فلذلك كره الحجامة للصائم. رواه أحمد. وفي لفظ: عن ابن عباس؛ أنه قال: احتجم رسول الله بالقاحة وهو محرم صائم، فوجد لذلك ضعفا شديدا، فنهى رسول الله أن يحتجم الصائم. رواه الجوزجاني.

وعن الحكم، قال: احتجم رسول الله وهو صائم فضعف، ثم كرهت الحجامة للصائم. وعن الشعبي: أن رسول الله احتجم وهو محرم، وتزوج الهلالية وهو محرم. رواه سعيد.

وكان تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية في عمرة القضاء، فعلم أن احتجامه كان في عمرة القضاء، وذلك قبل الفتح، وقبل قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم».

فهذا يبين أن الكراهة كانت بعد احتجامه محرما، ويؤيد ذلك ما روى الجوزجاني: أن ابن عباس كان يعد الحجام والمحاجم، فإذا غابت الشمس احتجم بالليل. ولولا علمه بأن احتجام الصائم غير جائز لما فعل ذلك.

الثاني: لو كان هو المتقدم للزم تغيير الحكم مرتين؛ لأن الحجامة كانت غير محظورة، ثم نهى عنها، فإذا أذن فيها بعد ذلك، فقد غير الحكم مرتين، بخلاف ما إذا كان الإذن قبل النهي.

الثالث: أن الصحابة علموا أن النهي آخر الأمرين، كما تقدم عن ابن عمر وغيره، ولهذا رجعوا عن القول بالاحتجام إلى تركه، وأبو موسى وابن عباس كانا يكرهان الحجامة للصائم، وهما ممن رويا حجامة النبي وهو محرم، بل عليهما مدار الحديث. الوجه الثاني: أن هذا الحديث لا يخالف قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ لأن فيه أن النبي احتجم وهو محرم، وفي لفظ للبخاري: من وجع به، والنبي لم يكن محرما في رمضان قط؛ لأن إحرامه بعمره الثلاثة وبحجة الوداع في ذي القعدة، فيكون هذا الصوم تطوعا، ثم كان مريضا، والمريض يجوز له الفطر، ثم كان مسافرا، لأنه لم يكن محرما مقيما قط.

فإذا كان الفطر جائزا له من هذه الوجوه الثلاثة، فيكون قد احتجم وإن أفطر بالحجامة، فإنه ليس في الحديث لا عن النبي ولا عن أصحابه أنه بقي على صومه، بل قد أفطر في رمضان لما أصاب أصحابه الجهد، فلأن يفطر في مرض أصابه بطريق الأولى، لما روي: أن رسول الله قاء فأفطر.

وقد قيل: يجوز أن يكون ركب المحاجم نهارا واحتجم ليلا؛ كما روى أبو بكر، عن جابر: أن النبي بعث إلى أبي طيبة أن يأتيه ليحجمه عند فطر الصائم، وأمره أن يضع المحاجم مع إفطار الصائم، فحجمه.

وأما حديث أبي سعيد فقال ابن خزيمة: قوله: والحجامة للصائم، إنما هو من قول أبي سعيد، لا عن النبي ، أدرج في الخبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>