للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وتأولوا أحاديث الحجامة بتأويلات ضعيفة، كقولهم: كانا يغتابان، وقولهم: أفطر لسبب آخر. وأجود ما قيل: ما ذكره الشافعي وغيره أن هذا منسوخ، فإن هذا القول كان في رمضان، واحتجامه وهو محرم كان بعد ذلك؛ لأن الإحرام بعد رمضان، وهذا أيضا ضعيف، بل هو صلوات الله عليه أحرم سنة ست عام الحديبية بعمرة في ذي القعدة، وأحرم من العام القابل بعمرة القضية في ذي القعدة، وأحرم من العام الثالث سنة الفتح من الجعرانة في ذي القعدة بعمرة، وأحرم سنة عشر بحجة الوداع في ذي القعدة، فاحتجامه وهو محرم صائم لم يبين في أي الإحرامات كان. والذي يقوي أن إحرامه الذي احتجم فيه كان قبل فتح مكة: قوله «أفطر الحاجم والمحجوم؛ فإنه كان عام الفتح بلا ريب هكذا في أجود الأحاديث. وروى أحمد بإسناده عن ثوبان: أن رسول الله أتى على رجل يحتجم في رمضان، قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» … . ثم ذكر حديث شداد بن أوس، وفيه أنه كان زمن الفتح في رمضان، ثم قال: «وقال الترمذي: سألت البخاري، فقال: ليس في هذا الباب أصح من حديث شداد بن أوس وحديث ثوبان، فقلت: وما فيه من الاضطراب؟ فقال: كلاهما عندي صحيح؛ لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، وعن أبي الأشعث عن شداد بن أوس، روى الحديثين جميعا [علل الترمذي الكبير (٢٠٨ - ٢١٠)، ثم قال الترمذي: وهكذا ذكروا عن علي بن المديني؛ أنه قال: حديث شداد بن أوس وثوبان صحيحان]. قلت: وهذا الذي ذكره البخاري من أظهر الأدلة على صحة كلا الحديثين اللذين رواهما أبو قلابة - إلى أن قال: - ومما يقوي أن الناسخ هو الفطر بالحجامة: أن ذلك رواه عنه خواص أصحابه الذين كانوا يباشرونه حضرا وسفرا، ويطلعون على باطن أمره، مثل بلال، وعائشة، ومثل: أسامة وثوبان مولياه، ورواه عنه الأنصار الذين هم بطانته مثل رافع بن خديج، وشداد بن أوس، … ، قال أحمد أصح شيء في هذا الباب حديث رافع، … ».

وقال ابن تيمية في شرح العمدة (٣/ ٣٢٩ - ط عطاءات العلم): «إذا احتجم فإنه يفطر. نص عليه في رواية الجماعة، وهو قول أصحابه … .. »، ثم نقل الروايات عن أحمد، ثم ذكر طرق حديث: أفطر الحاجم والمحجوم»، ثم ذكر أقوال المصححين، مثل: أحمد، وابن المديني، والبخاري، وابن راهويه، ثم ذكر دعاوى الخصوم في رد الحديث وتأويله، ثم ذكر الأحاديث التي احتج بها المبيحون، ثم كر على هذه الدعاوى بالرد والإبطال، وعلى أحاديث المبيحين ببيان عللها، ولما كانت دعوى النسخ من أقوى العلل، اعتنى بالرد على أصحابها بالدلائل والبراهين، فقال (٣/ ٣٥٠): «وأما ادعاء النسخ، فلا يصح لوجوه»:

أحدها: أن الذي في الحديث: أن النبي احتجم وهو محرم صائم، ولم يبين أن هذا الإحرام كان في حجة الوداع؛ فيجوز أن يكون كان في إحرامه بعمرة الحديبية، أو إحرامه بعمرة القضية، وكلاهما قبل الفتح، فيكون احتجامه وهو صائم منسوخا بقوله بعد ذلك: «أفطر الحاجم والمحجوم».

<<  <  ج: ص:  >  >>