كما يباح له الاغتسال والأكل والشرب؟ فلا يبالي كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر أو تكون محظورة عليه كحلاق الشعر وغيره؟ فالذي لا يجوز له إلا لضرورة فهو إذا فعله بحلق الشعر أو فعل ذلك من ضرورة افتدى، فينبغي أن تقولوا: إذا احتجم من ضرورة أن يفتدي، وإلا فأنتم تخالفون ما جاء عن النبي ﷺ، «وتقولون في الحجامة قولا متناقضا».
قلت: ظاهر أحاديث الباب أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم من وجع أصابه، واحتجم في وسط رأسه كما في حديث ابن بحينة المتفق عليه، وهذا يقتضي إزالة الشعر من موضع المحاجم، ولم ينقل أن النبي ﷺ فدى لأجل ذلك، ولو فعل لنقل؛ لأن هذا مما تتوافر الهمم والدواعي لنقله، ثم إنه لم يزل شعر الرأس كله، فلم يسقط نسكا، وإنما أزال بعضه للحاجة؛ ولم يفد، فدل على جواز الحجامة للحاجة حال الإحرام، وأن لا فدية عليه، والله أعلم.
* ورواه معمر بن راشد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه أمر محرما احتجم أن يفتدي بصيام، أو صدقة، أو نسك؛ فإن اضطر إلى ذلك فلا شيء عليه.
أخرجه ابن حزم في المحلى (٥/ ٢٩٤).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
وفيه إسقاط الفدية عن المحرم إذا احتجم للضرورة، والأصل طرد ذلك لغير الضرورة.
قال ابن حزم في المحلى (٥/ ٢٩٣) (٨/ ٥٠٠ - ت بشار): «فهذا عليهم؛ لأنهم خالفوه في موضعين: أحدهما: أنه أوجب الدم ولم يشترط إن حلق لها شعرا. والثاني: أنه لم يوجب شيئا على من اضطر إليها، وهم لا يقولون بهذا».
* وروى مالك، عن نافع عن ابن عمر، أنه احتجم وهو صائم، ثم ترك ذلك [بعد]، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر.
أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٤٠١/ ٨١٨ - رواية يحيى الليثي) (٦٢١ - رواية القعنبي) (٨٣٨ - رواية أبي مصعب) (٨٣١ - رواية ابن بكير) (٤٧٤ - رواية الحدثاني).
وعنه: الشافعي في الأم (٣/ ٢٣٩/ ٩١٤)، وفي المسند (١٠٤)، ومن طريقه: البيهقي في المعرفة (٦/ ٣٢١/ ٨٨٦٨).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم قبل الحديث رقم (١٩٣٨) قال: «كان ابن عمر ﵄ يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل».
* ورواه عبد الله بن إدريس [ثقة ثبت]، عن يزيد [هو: يزيد بن أبي زياد الكوفي، وهو: ليس بالقوي]، وعبيد الله [عبيد الله بن عمر العمري: ثقة ثبت]، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم ترك ذلك. فلا أدري لأي شيء تركه؛ كرهه أو للضعف؟