ولذا قال ابن عبد الهادي:«هذا الحديث: حديث منكر؛ لا يصلح الاحتجاج به؛ لأنه شاذ الإسناد والمتن، ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة، ولا رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، ولا الشافعي، ولا أحد من أصحاب المسانيد المعروفة، ولا يعرف في الدنيا أحد رواه إلا الدارقطني عن البغوي! … ، وكيف يكون هذا الحديث صحيحا سالما من الشذوذ والعلة؛ ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة، ولا المسانيد المشهورة، وهم محتاجون إليه أشد حاجة؟!».
* ثم لو تنزلنا جدلا: فقلنا: إن البخاري قد أخرج لجميع رجال هذا الإسناد، فأخرج في صحيحه لثابت البناني، وأخرج لعبد الله بن المثنى، وأخرج لخالد بن مخلد القطواني، وأخرج لعثمان بن أبي شيبة؛ فلماذا لم يخرج البخاري هذا الحديث، وقد أخرج لرجاله جميعا؟ فيقال: لم يخرج البخاري لخالد القطواني عن عبد الله بن المثنى شيئا، بل لا تكاد تعرف لخالد بن مخلد رواية عن عبد الله بن المثنى إلا في هذا الحديث بعينه، فمثله لا يجي، وإنما أخرج البخاري لخالد عن سليمان بن بلال، والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وعلي بن مسهر، ثم إنه لم يكثر من الرواية لخالد؛ إنما انتقى له من صحيح حديثه، وأعرض عن مناكيره، ثم إن البخاري في أمس الحاجة إلى الاحتجاج بهذا الحديث على مراده، فإذا به يعرض عنه - وهذا على فرض وجوده - ثم يخرج في باب الحجامة للصائم: حديث شعبة (١٩٤٠)، في قصة ثابت مع أنس موقوفا، حين سأله: أكنتم تكرهون الحجامة للصايم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف. وأظن هذه قاصمة ظهر للخصوم!
• ثم إن المعروف عن خالد بن مخلد القطواني - فيما رواه عنه الأثبات - خلاف هذا:
• فقد أخرج ابن أبي شيبة في مسنده (٤/ ٤٤٠/ ٣٨٩٩ - إتحاف الخيرة)(١١/ ٢٥٩/ ٢٥١٧ - مطالب)، قال: حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا الحارث بن عمير، عن حميد، عن أنس، وسئل عن الصائم يحتجم؟ قال: ما كنا نرى ذلك يكره إلا أن يجهده - ولم يسنده - وقال: احتجم رسول الله ﷺ وهو محرم من وجع وجده في رأسه.
قال البوصيري:«هذا إسناد رجاله ثقات».
قلت: وهذا حديث صحيح، أوله موقوف على أنس في الحجامة للصائم، وآخره مرفوع: أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم.
واحتجاج أنس بفعل النبي ﷺ حال الإحرام لمن أكبر الدلائل على أنه لم يكن عنده شيء مرفوع في حجامة الصائم، وقد سبق تقرير ذلك.
* وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (٨/ ٣٧٤/ ١٥٢٢١ - ط الشثري)، قال: حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن حميد، عن أنس، أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم. [وهذا حديث صحيح، وقد تقدم ذكره].