أحمد بأن ميمون بن مهران أوثق من عكرمة، فهو صحيح، إذ لو ثبت عن ميمون لأثبتناه، لكنه لا يثبت عن ميمون، كما لا يثبت أيضاً من حديث عكرمة موصولاً؛ لما سبق بيانه.
وقال في موضع آخر (١/ ٣٢٦/ ١٤٤٨): «قال أبي: قال أبو خيثمة: أنكر يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ حديث: حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم محرماً صائماً. قال أبي: أنكراه على الأنصاري محمد بن عبد الله».
فهذان اثنان من كبار الأئمة الحفاظ للحديث، ممن بلغ الغاية في الحفظ والضبط والتثبت والإتقان، وهما متقدمان في الطبقة، وفي الوفاة على الأنصاري بما يزيد على خمسة عشر عاماً، ويحيى بن سعيد القطان ومعاذ بن معاذ العنبري: قرينان في السن والطلب والحفظ والإتقان، فقولهما وحدهما كاف في رد رواية الأنصاري، والقول بنكارتها، لكون ذلك الإنكار صدر ممن كان أهلاً لذلك، فهما أقدم وفاة من الأنصاري، وأعلم منه بدقائق هذا العلم، وطرق الرواية.
• وقد احتج أحمد على رد حديث الأنصاري بقول هذين الإمامين الجليلين، ثم إنه زاد علة قادحة أخرى:
• قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٥/ ٢٥٣): «قال مهنا: سألت أحمد عن حديث: حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم محرم؟ فقال: ليس بصحيح، وقد أنكره يحيى بن سعيد على الأنصاري.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله ردَّ هذا الحديث فضعفه، وقال: كانت كتب الأنصاري ذهبت في أيام المنتصر، فكان بعد يحدث من كتب غلامه، وكان هذا من تلك». [ونقله ابن تيمية في شرح العمدة (٣/ ٣٤٨ - ط عطاءات العلم)] [ونقل قول مهنا عن أحمد أيضاً: ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٧٦ - ط عطاءات العلم)، وزاد من قول أحمد:«إنما كانت أحاديث ميمون بن مهران عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديثاً»].
فهنا يبين أحمد أن هذا الحديث لم يكن في كتب الأنصاري قديماً، وإنما دخل عليه بعد ذلك لما حدث من كتب غلامه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، والله أعلم.
• وممن أسند رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه في العلل، وكذلك رواية الأثرم عن أحمد: العقيلي في الضعفاء (٤/ ٩٠)(٥/ ٤٠٤ - ط الرشد)، فبدأ فساق رواية عبد الله عن أبيه في إنكار يحيى بن سعيد القطان ومعاذ بن معاذ على الأنصاري هذا الحديث، ثم قال:«حدثني الخضر بن داود حدثنا أحمد بن محمد [يعني: الأثرم]، قال: سمعت أبا عبد الله، يقول: ما كان يضع الأنصاري عند أصحاب الحديث إلا النظر في الرأي [يعني: أنه كان ينظر في كتب أبي حنيفة، ويقول بها]، وأما السماع فقد سمع، وذكر الحديث الذي رواه الأنصاري، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران عن ابن عباس ﵄، أن النبي ﷺ احتجم وهو صائم؛ فضعفه، وقال: كان ذهب للأنصاري كتب في فتنة - أظنه قال: المبيضة -، فكان بعد يحدث من كتب غلامه أبي حكيم أراه قال: فكان هذا من تلك».