قال الشافعي وإسناد الحديثين معاً مشتبه، وحديث ابن عباس أمثلهما إسناداً، فإن توفّى رجل الحجامة كان أحبَّ إليَّ احتياطاً، ولئلا يعرض صومه أن يضعف فيفطر، فإن احتجم فلا تفطره الحجامة، ومع حديث ابن عباس القياس، والذي أحفظ عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ والتابعين وعامة المدنيين: أنه لا يفطر أحد بالحجامة».
وذكر هذا في المعرفة (٦/ ٣١٩) ثم قال: «وإنما قال: لإسناد الحديثين أنه مشتبه؛ لاختلاف الرواة على أبي قلابة في إسناده، فقيل عنه: هكذا، وقيل عنه: عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان، وقيل عنه: عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء، عن شداد».
وقد انتصر البيهقي للشافعي في الصغرى (٢/ ١٠٠)، حيث عضد رواية مقسم عن ابن عباس، برواية ميمون بن مهران، وعكرمة، عن ابن عباس، ثم استعمل الاحتمال لإثبات وقوع الصوم منه ﷺ حال الإحرام، ثم ذهب إلى أن الاحتجاج بحديث أبي سعيد الخدري، وبحديث أنس يقوي ما ذهب إليه الشافعي.
وقال في المعرفة (٦/ ٣٢٠): « … وأما حديث ابن عباس: فإنه من رواية يزيد بن أبي زياد، ويزيد ليس بالقوي، إلا أنا قد أكدناه برواية عكرمة عن ابن عباس».
وتعقبه الذهبي، فقال في المهذب في اختصار السنن الكبرى (٤/ ١٦٤٥): «أحاديث «أفطر» أقوى من حديث احتجم صائماً، وليس في حديث ابن عباس ما يدل على أنه احتجم عام حجة الوداع، ولا قال ابن عباس أنه شهد ذلك، وأيضاً فلا نعلم أنه ﷺ صام في سفر حجة الوداع».
كما تعقب البيهقي أيضاً: ابن التركماني فقال في الجوهر النقي (٤/ ٢٦٨ - هامش الكبرى): «لا اشتباه في إسناد حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ إذ صححه أحمد، وابن المديني، وإسحاق الحنظلي، والدارمي، من طريق شداد؛ كما حكاه البيهقي عنهم في الباب السابق، وحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد، وصح أيضاً من طريق رافع كما تقدم، وكيف يكون حديث ابن عباس أمثلهما إسناداً، وفيه يزيد بن أبي زياد متكلم فيه، قال البيهقي في باب الكسر بالماء: ضعيف لا يحتج به، … »، إلى آخر ما قال.
وهذا الحديث قد رواه عن يزيد بن أبي زياد أيضاً: شعبة بن الحجاج، ولشعبة فيه إسنادان محفوظان عنه:
• الأول: رواه محمد بن جعفر غندر، وخالد بن الحارث، ووهب بن جرير، وأبو داود الطيالسي، وحفص بن عمر الحوضي، وعبد الصمد بن عبد الوارث [وهم ثقات]، وعمرو بن مرزوق [ثقة؛ لكنه لا يثبت من حديثه، تفرد به عنه: محمد بن عثمان بن أبي سويد البصري الذارع، وهو: ضعيف، قال الدارقطني:«ضعيف»، وقال ابن عدي:«حدث عن الثقات ما لم يتابع عليه، … ، ويُقلب الأسانيد عليه فيُقر به»، وأثنى عليه أبو خليفة، قلت: هذا ثناء مبهم، فلعله أثنى عليه في دينه، لا في ضبطه للحديث، والجرح هنا مفسر،