وهذا أصح؛ لأن ابن عمر وغيره من الصحابة كانوا ينصبون له الظل المحض في حال النزول، ولأنه لو دخل إلى بيت أو خيمة لمجرد الاستظلال لجاز.
والفرق بينهما: أن هذا الظل ليس بتابع للمحرم، ولا ينتقل بانتقاله».
وبهذا التعليل يظهر جليا: أن مذهب أحمد يقتضي منع المحرم من ركوب السيارات المعروفة في زماننا هذا؛ لأنها مظللة، وهو ظل ملازم للمحرم ينتقل بانتقاله، ويترفه به، لاسيما مع وجود الهواء البارد بداخلها، كما ينقطع عنه الغبار والشعث لإغلاقها بإحكام، وهي العلل التي اعتمد عليها من انتصر للرواية المشهورة في المذهب، وأخيرا: فإن الأخذ بظاهر حديث أم الحصين، وتأويل قول ابن عمر الموقوف عليه، فيه مندوحة عن ركوب الصعاب، والله أعلم.
• وقال ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٢٩٧ - ط عطاءات العلم): «أن المحرم ممنوع من تغطية رأسه، والمراتب فيه ثلاثة: ممنوع منه بالاتفاق، وجائز بالاتفاق، ومختلف فيه: فالأول: كل متصل ملابس يراد لستر الرأس: كالعمامة، والقبع، والطاقية، والخوذة وغيرها.
والثاني: كالخيمة، والبيت، والشجرة، ونحوها. وقد صح عن النبي ﷺ: أنه ضربت له قبة بنمرة وهو محرم، إلا أن مالكا منع المحرم أن يضع ثوبه على شجرة يستظل به، وخالفه الأكثرون، ومنع أصحابه المحرم أن يمشي في ظل المحمل.
والثالث: كالمحمل، والمحارة، والهودج؛ فيه ثلاثة أقوال: الجواز، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة. والثاني: المنع، فإن فعل افتدى، وهو مذهب مالك. والثالث: المنع، فإن فعل فلا فدية عليه. والثلاثة روايات عن أحمد».
وقال في موضع آخر (٢/ ٣١٢): «وكان في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي، ورمى وبلال وأسامة معه، أحدهما أخذ بخطام ناقته، والآخر يظله بثوب من الحر. وفي هذا دليل على جواز استظلال المحرم بالمحمل ونحوه، إن كانت قصة هذا الإظلال يوم النحر، وإن كانت بعده في أيام منى فلا حجة فيها، وليس في الحديث بيان في أي زمن كانت، فالله أعلم».
• قلت: وقع في رواية صحيحة [عند النسائي]: حججت في حجة النبي ﷺ، فرأيت بلالا يقود بخطام راحلته، وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر وهو محرم، حتى رمى جمرة العقبة، ثم خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر قولا كثيرا.
وفي أخرى: حججت مع رسول الله ﷺ حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة، وانصرف وهو على راحلته، ومعه بلال وأسامة، أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله ﷺ من الشمس، قالت: فقال رسول الله ﷺ قولا كثيرا، … الحديث.