للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الحصين وغيره، فإنه يرى أن الضحى أفضل، لكن الكلام في الإباحة، ثم ساق ابن تيمية كلاماً طويلاً ينصر به المشهور من المذهب، ويرد فيه على الحنفية والشافعية، وإن كان بعض ما استدل به من الروايات لا تقوم بها الحجة؛ فهي إما مراسيل، والموصولات تردها، كما سبق أن بينت ذلك في التعقيب على الماوردي في سبب نزول الآية، وإما بمناكير تفرد بها من لا يحتمل تفرده عن شيخه، كمثل ما تفرد به عن ابن أبي رواد: عبد الرحيم بن هارون الغساني، وهو ضعيف، يروي عن ابن أبي رواد المناكير، قال فيه الدارقطني: «متروك، يكذب» [التهذيب (٢/ ٥٧١) (٨/ ٩٩ - ط دار البر)]، وأما قول ابن عمر فقد سبق توجيهه، وأنه لا قول لأحد مع رسول الله ، وما أبيح لرسول الله ولو يسيراً؛ فإنما يؤخذ منه مطلق الإباحة، بغير قيد، لكن اختلاف مشارب الناس جعلتهم تنصر أقوال متبوعيهم، وأما قول ابن تيمية: «وابن عمر من أعلم الناس بالسنة وأتبعهم لها، ولم ينكر عليه هذه الفتاوى في الأوقات المتفرقة منكر، مع ما يجمعه الموسم من علماء المسلمين»؛ فيقال: نعم؛ ابن عمر من أتبع الناس للسنة، لكن هذا لا يمنع من خفاء بعض السنة عليه، كما خفي على من هو أكبر منه وأعلم وأعلى قدراً، ثم دعوى أن هذه الفتاوى انتشرت في الناس فلم ينكرها منكر؛ فهي دعوى لا دليل عليها، فإن هذا الأثر لم يعرفه أهل المدينة، ولا رواه مالك في الموطأ مع مسيس حاجته إليه، فإنه ممن يقول بمقتضاه، ولا رواه عن نافع ثقات أصحابه المكثرون عنه، وأما عبيد الله بن عمر: فإنه لم يشتهر عنه بالمدينة، ولا رواه عنه ثقات أصحابه المشاهير المكثرون عنه، ولم يروه عنه سوى ثلاثة لا تعرف روايتهم عنه في الكتب الستة، سوى واحد فقط، وقد سبق بيان ذلك، وأما الطريق الآخر الذي رواه عطاء عن ابن عمر فهو غريب جداً كما تقدم بيانه؛ فلو كانت فتواه هذه انتشرت عنه، لرأينا ذلك جلياً؛ ثم إن ابن تيمية تبع القاضي أبا يعلى في سرد روايات هذا الأثر من طريق أبي بكر النجاد، حتى يظن الظان شهرة هذا الأثر، وكثرة أسانيده، وسبق أن بينت مراراً أن أبا بكر النجاد ينفرد عن الناس بما لم يتابع عليه، وأنه يحدث من كتب الناس بما ليس في أصوله، كما استعمل ابن تيمية الأقيسة العقلية التي لا يعجز عنها كل طالب، والتي يمكن تطويعها لنصرة أي قول كان؛ كالتفريق بين الرأس والبدن، وكإبقاء الرأس أشعث أغبر، وكمنع المحرم من الترفه، مع كون ذلك لا يمنع منه الاستظلال على الرحل، ولو كان مانعاً منه، لكان الدخول في البيوت والأخبية والأقبية أشد منعاً؛ فلزم استواؤها في الحكم، وهم لا يقولون بذلك.

وقال ابن تيمية في منهاج السنة (٤/ ١٥١): «ومذهب أحمد المشهور عنه؛ أن المحرم لا يستظل بالمحمل، وإن كان ذلك قول الرافضة».

ويزيد هذا المعنى إيضاحاً؛ قول ابن تيمية في شرح العمدة (٤/ ٥١٤): «وكلام أحمد يدل على الفرق؛ قال في رواية حنبل: لا يستظل على المحمل، ويستظل بالفازة في الأرض والخيمة، وهي بمنزلة البيت».

<<  <  ج: ص:  >  >>