الشمس والبرد، إما أن يمسكه إنسان أو يرفعه على عود، على نحو ما روي في حديث أم الحصين: أن بلالاً أو أسامة كان رافعاً ثوباً يستر به النبي ﷺ من الحر. ولأن ذلك لا يقصد به الاستدامة، فلم يكن به بأس، كالاستظلال بحائط».
• وأما بالنسبة لعرفة، فقال النووي في المجموع (٨/ ١١٧): «الأفضل للواقف أن لا يستظل؛ بل يبرز للشمس، إلا للعذر، بأن يتضرر، أو ينقص دعاؤه، أو اجتهاده في الأذكار، ولم ينقل أن النبي ﷺ استظل بعرفات، مع ثبوت الحديث في صحيح مسلم وغيره عن أم الحصين: أن النبي ﷺ ظلل عليه بثوب وهو يرمي الجمرة».
• وقال ابن تيمية في شرح العمدة (٤/ ٤٩٦ - ط عطاءات العلم): «وأما إذا غطى رأسه بشيء منفصل عنه؛ فهو أقسام:
أحدها: أن يستظل بسقف في بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك، أو يستظل بخيمة أو فسطاط أو نحوهما، أو يستظل بشجرة ونحوها، ونحو ذلك فهذا جائز. قال أحمد في رواية حنبل: لا يستظل على المحمل، ويستظل بالفازة والخيمة وهي بمنزلة البيت. ونص على أنه لو جلس تحت خيمة أو سقف جاز.
وليس اجتناب ذلك من البر، كما كان أهل الجاهلية يفعلونه، … »، ثم ذكر مرسل الزهري، ولا يثبت، ثم عقبه بحديث البراء المتفق عليه [أخرجه البخاري (١٨٠٣ و ٤٥١٢)، ومسلم (٣٠٢٦)]، وسبق ذكره أثناء التعقيب على كلام الماوردي، وليس فيه موضع الشاهد من اجتناب دخول البيوت وهم حرم لأجل السقف، وإنما كانوا يفعلون ذلك إذا رجعوا من الحج؛ فلا علاقة له باستظلال المحرم، ثم ذكر مرسل قيس بن حبتر، ثم ذكر حديث جابر في صفة حج النبي ﷺ، والذي أخرجه مسلم، ثم أثر عمر في الاستظلال بالنطع والكساء، إلى أن قال: وسواء طال زمان ذلك أو قصر؛ لأن هذا يقصد به جمع الرحل والمتاع دون مجرد الاستظلال. وحقيقة الفرق أن هذا شيء ثابت بنفسه، لا يستدام في حال السير والمكث.
الثاني: المحمل والعمارية والقبة والهودج ونحو ذلك مما يصنع على الإبل وغيرها من المراكب لأجل الاستظلال، شفعاً كانت أو وتراً، فهذا إذا كان متجافياً عن رأسه فالمشهور عن أحمد الكراهة، وعنه: لا بأس به، ذكرها ابن أبي موسى؛ لأن المنع من الاستظلال والبروز للسماء إنما كان يعتقده براً أهل الجاهلية كما تقدم عنهم، وقد رد الله ذلك كما تقدم.
ولأن النبي ﷺ لما رأى أبا إسرائيل قائماً في الشمس سأل عنه، فقيل: نذر أن يقوم ولا يتكلم، ولا يستظل، ويصوم، قال:«مروه فليقعد وليستظل وليتكلم، وليتم صومه».
رواه البخاري. فبين النبي ﷺ أن الضحى للشمس مثل الصمت والقيام، ليس مشروعاً ولا مسنوناً، ولا بر فيه.