للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

راكباً، وروى أحمد عن ابن عمر؛ أنه رأى رجلاً قد جعل على رحله عوداً له شعبتان وجعل عليه ثوباً يستظل به وهو محرم، فقال له ابن عمر: إضح للذي أحرمت له. أي: ابرز للشمس».

• وقال الماوردي في الحاوي (٤/ ١٢٨): «قال الشافعي : ويستظل المحرم في المحمل، ونازلاً في الأرض.

قال الماوردي: وهذا صحيح، يجوز للمحرم أن يستظل سائراً ونازلاً، وقال مالك: يجوز للمحرم أن يستظل نازلاً، ولا يجوز أن يستظل سائراً، لما روي أن رسول الله رأى رجلاً يطلب الفيافي والظل، فقال له النبي : «أضح لمن أحرمت له» [قلت: لم أقف عليه مرفوعاً؛ إنما يروى موقوفاً على ابن عمر، قوله]، أي: اخرج إلى الشمس؛ لأن الضح الشمس، والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية يحيى بن الحصين، عن أم الحصين، قالت: حججت مع رسول الله حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً، أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي ، والآخر يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة. وقد روي عن طائفة من الأنصار، عن الحمس من قريش: أنهم كانوا يشددون في ذلك أول الإسلام، حتى كانوا إذا أرادوا دخول دار أتوا الجدار ولم يدخلوا الباب، ويرون ذلك عبادة وبراً، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأَتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩]، فكانت الإباحة في ذلك عامة، لأن المسلمين قديماً في العصر الأول وفيما يليه من الأعصار لم يزالوا يحرمون وهم في العماريات والقباب، لا يتناكرون ذلك ولا ينكر عليهم، فثبت أنه إجماع أهل الأعصار، ولأن كل ما جاز أن يستظل به المحرم نازلاً جاز أن يستظل به سائراً كاليدين، فأما قوله: «أضح لمن أحرمت له ففيه جوابان: أحدهما: أنه نهاه عن تغطية رأسه، ولم ينهه عن الاستظلال. والثاني: أن ذلك محمول على طريق الاستحباب لما روي أنه ضربت له قبة ببطن نمرة فدخلها واستظل، وروي أنه لما وافى عرفة أقام في لحف الجبل قد ظلل على رأسه بثوب من الشمس إلى أن زالت الشمس وحانت الصلاة [لا يثبت، وتقدم ذكره في مرسل عطاء]، فدل على [أن] نهيه على طريق الاستحباب لا على طريق التحريم. فإن قيل: فالنبي إنما فعل ذلك نازلاً؟ قيل: ونهيه إنما كان لمحرم نازل».

• قلت: وما ذكره في تفسير الآية من قصة الأنصار، فهو ما رواه: معمر بن راشد، عن الزهري، قال: كان أناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء فيخرجون من ذلك، فكان الرجل يخرج مُهلاً بالعمرة، فتبدو له الحاجة بعدما يخرج من بيته، فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت لا يحول بينه وبين السماء، فيقتحم الجدار من ورائه، ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته، حتى بلغنا أن النبي أهل زمان الحديبية بالعمرة، فدخل إلى حجرته، فدخل على أثره رجل من الأنصار من بني سلمة، فقال له النبي : «إني أحمس»، … فذكر الحديث بطوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>