• وقال الطحاوي في أحكام القرآن (٢/٤٨): «وقد اختلف أهل العلم في الظلال للرجال المحرمين على رواحلهم، فأباح ذلك بعضهم، وممن أباح ذلك منهم: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد وأهمل الطحاوي هنا ذكر الشافعي، وهو أحد أئمة الأثر ممن نصر هذا القول، وقد ذكره في [اختلاف العلماء]، ولم يجعلوا ذلك مما يحظره الإحرام على الرجال المحرمين، ومنع من ذلك بعضهم، وممن منع ذلك منهم: مالك، وكثير من أهل المدينة، وجعلوا ذلك مما حظره الإحرام على الرجال المحرمين، ولم يختلفوا جميعا في إباحة الظلال للنساء المحرمات، وقد روي عن مالك إباحة الظلال للرجل المحرم إذا كان زميله امرأة محرمة، حدثنا بذلك من قوله عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة المدني، قال: حدثنا هارون بن موسى الفروي، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن مالك، بما ذكرناه عنه من ذلك، ولما اختلفوا في ذلك اختلافهم فيه في هذا الباب، ووجدنا الإحرام لا يحظر على المحرم دخول البيوت والقعود فيها، ولا دخول الأخبية، ولا القعود فيها، كان القياس على ذلك ألا يكون الإحرام أيضا يحظر عليه التظليل عليه فوق راحلته، وقد وجدنا ظهور الرواحل قد خفف فيها ما لم يخفف فيما سواها، فجعل للرجل أن يصلي التطوع على راحلته إيماء حيث كان وجهه، لم يجعل ذلك له وهو على الأرض، فلما كان ظهور الرواحل فيما ذكرنا مخففا فيه ما لم يخفف فيما سواه، ورأينا الظلال على ما سواه مباحا للمحرم، كان الظلال عليه أولى بالإباحة، فثبت بذلك أن الظلال على الراحلة مباح للمحرم، وأنه مما لم يحظر الإحرام عليه، فإن قال قائل: فقد روي عن رسول الله ﷺ ما يدل على فضل الإضحاء وترك التظليل للمحرم، … » ثم أسند حديث عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن جابر بن عبد الله، مرفوعا:«ما من محرم ضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه كيوم ولدته أمه»، وقد بينت أنه حديث باطل، ثم قال:«فكان من الحجة لأهل القول الأول على المحتجين عليهم بهذا الحديث، أن هذا الحديث ليس مما تقوم بمثله الحجة؛ لما يتكلم أهل العلم بالأسانيد في رواية من دون عبد الله بن عامر وفوق مطرف، ثم لو ثبت لما كان فيه ما يدل على ما قالوا؛ لأن رسول الله ﷺ لم يقل لنا في هذا الحديث: ما من محرم يضحى للشمس، … ».
وقال في اختلاف العلماء (٢/ ١١٠) -[اختصار الجصاص] في استظلال المحرم: «قال أصحابنا: لا بأس أن يستظل المحرم إذا جافى ذلك عن رأسه، وهو قول سفيان والشافعي.
وكره مالك أن يستظل من الشمس بظل من عصا أو ثوب، ولا بأس بالفسطاط والبيت، وقال: لا بأس بالظلال للمحرم إذا كان زميله امرأة محرمة.
وروى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه مر برجل قد استتر بعود وهو محرم، فقال: إضح لمن أحرمت له. ويحتمل أن يكون قد ماس رأسه.
وأيضا لم يختلفوا أن القاعد لا يكره له الاستظلال؛ فكذلك الراكب».