فإنه يشارك أصحاب أبي إسحاق فيما يروونه عنه من محفوظ حديثه مما رواه قبل التغير، ويتابع في ذلك رواية سفيان الثوري وشعبة أحياناً، مما يدل على أن سماعه من أبي إسحاق لم يكن كله بعد التغير، أو أن أبا إسحاق حدثه أحياناً وهو متيقظ فطن لما يروي، وأكثر روايته عنه مستقيمة، وحديثه عنه مبثوث في الصحيحين والسنن والصحاح والمسانيد والمصنفات [راجع مثلاً: فضل الرحيم الودود (١/١٣٩/٣٩)]، لكنه هنا لم يتابع على هذه اللفظة عن أبي إسحاق؛ ولذا قال الذهبي:«لين روايته عن أبي إسحاق: من قِبَل أبي إسحاق، لا من قبله»؛ يعني: أنه حدثه به بعد التغير [التهذيب (١/ ٦٤٠). الميزان (٢/ ٨٦)]، والله أعلم.
هـ - ورواه أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق: حدثني يحيى بن أم الحصين، والعيزار بن الحريث، عن أم الحصين، قالت: رأيت رسول الله ﷺ عشية عرفة على بعير [واقفاً] قائلاً بردائه هكذا - وأشار أبو بكر: ألقاه على عضده الأيسر من تحت عضده، وأخرج عضده الأيمن، قالت: فسمعته يقول: «يا أيها الناس! اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي مُجَدَّع ما أقام فيكم كتاب الله»
أخرجه ابن سعد في الطبقات (٢/ ١٨٤)، وأبو بكر الأنباري في جزء من حديثه (١١ - منتقى)، والطبراني في الكبير (٢٥/ ١٥٧/ ٣٨١).
قلت: وهذا حديث صحيح، دون قوله: عشية عرفة، فإن رواية إسرائيل صريحة أن هذه الخطبة كانت بمنى، ويدل على ذلك رواية زهير، حيث قال: وهو على رحله وراحلته، وكذا قال أبو بكر بن عياش نفسه، قال: على بعير، وإنما كان ذلك بمنى، وأبو بكر بن عياش: ثقة، ساء حفظه لما كبر، وكتابه صحيح، ويحتمل أن يكون أخذه عن أبي إسحاق بعد التغير، والله أعلم.
وقد توبع على إسناده تابعه إسرائيل من رواية أبي غسان مالك بن إسماعيل عنه، ورواه أيضاً: يونس بن أبي إسحاق عن العيزار عن أم الحصين به.
و - ورواه أيضاً جبارة بن مغلس: ثنا محمد بن أبان، عن أبي إسحاق، عن العيزار، ويحيى بن أم الحصين - جميعاً ـ، عن أم الحصين قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا كان فيكم زنجي يقيم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا».
أخرجه أبو علي الصواف في الثالث من فوائده (٤٧).
قلت: محمد بن أبان بن صالح القرشي الجعفي الكوفي، وهو: ضعيف [انظر: اللسان (٦/ ٤٨٨) وغيره]، ولا يثبت من حديثه؛ فإن الراوي عنه: جبارة بن المغلس، وهو: واه، يروي أحاديث كذب، ما كان يتعمدها؛ إنما كان يوضع له الحديث؛ فيحدث به، قال أبو زرعة:«قال لي ابن نمير: ما هو عندي ممن يكذب، قلت: كتبت عنه؟ قال: نعم، قلت: تحدث عنه؟ قال: لا، قلت: ما حاله؟ قال: كان يوضع له الحديث، فيحدث به، وما كان عندي ممن يتعمد الكذب» [التهذيب (١/ ٢٨٨). الميزان (١/ ٣٨٧). الجرح والتعديل (٢/ ٥٥٠)].