فصل: ويجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس، وتحريم تغطية الوجه.
ولا يمكن تغطية جميع الرأس إلا بجزء من الوجه، ولا كشف جميع الوجه إلا بكشف جزء من الرأس، فعند ذلك ستر الرأس كله أولى؛ لأنه أكد، إذ هو عورة، لا يختص تحريمه حالة الإحرام، وكشف الوجه بخلافه، وقد أبحنا ستر جملته للحاجة العارضة، فستر جزء منه لستر العورة أولى». وانظر كلامه أيضاً في مسألة منع المحرم من تخمير رأسه [(٥/ ١٥٠)].
وقال ابن تيمية في شرح العمدة (٤/ ٧٠٨ - ط عطاءات العلم): «الفصل الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع، وهذا إجماع.
قال أصحابنا: وستر رأسها واجب، فقد اجتمع في حقها وجوب ستر الرأس ووجوب كشف الوجه [قلت: سبق أن نبهت على عدم وجود دليل صحيح صريح في إيجاب كشف الوجه للمحرمة، ولا يمكن تكميل أحدهما إلا بتفويت تكميل الآخر، فيجب أن تكمل الرأس لأنه أهم، كما وجب أن تستر سائر البدن ولا تتجرد؛ ولأن المحظور أن تستر الوجه على الوجه المعتاد كما سيأتي، وستر شيء يسير منه تبعا للرأس لا يعد ستراً للوجه، فأما في غير الإحرام فلا بأس أن تطوف منتقبة، نص عليه. قلت: ثبت ذلك عن عائشة، وتقدم].
فإن احتاجت إلى ستر الوجه، مثل أن يمر بها الرجال وتخاف أن يروا وجهها، فإنها ترسل من فوق رأسها على وجهها ثوباً، نص عليه، ثم ذكر رواية أبي طالب، واستدل بحديث مجاهد عن عائشة في السدل، ثم قال: «ولو فعلت ذلك لغير حاجة جاز، على ما ذكره أحمد، قال ابن أبي موسى: إن احتاجت سدلت، لكن عليها أن تجافي ما تسدله عن البشرة، فإن أصاب البشرة باختيارها افتدت، وإن وقع الثوب على البشرة بغير اختيارها رفعته بسرعة، ولا فدية عليها، فإن لم ترفعه عن وجهها مع القدرة عليه افتدت، هذا قول القاضي وأصحابه وأكثر متأخري أصحابنا، وحملوا مطلق كلام أحمد عليه … » [قلت: وليس على شيء من ذلك دليل، بل ليس هذا من قول أحمد؛ إنما هو قول الشافعي، وإنما وقع ذلك للقاضي أبي يعلى لما نقل الحجاج في هذه المسألة عن الشافعية، مثل الماوردي، وقول أحمد مطلق: إن احتاجت سدلت، ولم يقيد بشيء].
إلى أن قال: «والذي يدل عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه جواز الإسدال، سواء وقع على البشرة أو لم يقع؛ لأن أحمد قال: تسدل الثوب، وقال ابن أبي موسى: إحرامها في وجهها، فلا تغطيه ولا تتبرقع، فإن احتاجت سدلت على وجهها؛ لأن عائشة ذكرت أنهن كن يدلين جلابيبهن على وجوههن من رؤوسهن، ولم تذكر مجافاتها، فالأصل عدمه؛ لاسيما وهو لم يذكر، مع أن الحاجة داعية، والظاهر أنه لم يفعل؛ لأن الجلباب متى أرسل مس بشرة الوجه؛ ولأن في مجافاته مشقة شديدة، والحاجة إلى ستر الوجه عامة، وكل ما احتيج إليه لحاجة عامة أبيح مطلقاً، كلبس السراويل والخف … .