للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولأن وجه المرأة كبدن الرجل وكيد المرأة؛ لأن النبي قال: «لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين»، ولم ينهها عن تخمير الوجه مطلقا [قلت:] لا يثبت رفعه، إنما هو قول ابن عمر موقوفا عليه، وقد اتفق على ذلك جماعة من الأئمة النقاد، فمن ادعى تحريم تخميره مطلقا فعليه الدليل، بل تخصيص النهي بالنقاب وقرانه بالقفاز دليل على أنه إنما نهاها عما صنع لستر الوجه، كالقفاز المصنوع لستر اليد، والقميص المصنوع لستر البدن.

فعلى هذا يجوز أن تخمره بالثوب من أسفل ومن فوق، ما لم يكن مصنوعا على وجه يثبت على الوجه، وأن تخمره بالملحفة وقت النوم، ورأس الرجل بخلاف هذا كله، وقال ابن أبي موسى: ومتى غطت وجهها أو تبرقعت افتدت. [ثم أردفه بالكلام عن عدم جواز لبس القفازين للمحرمة].

وقال ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ٣٥٢ - ط عطاءات العلم): «وأما نهيه في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب وأن تلبس القفازين، فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل، لا كرأسه، فيحرم عليها فيه ما وضع وفصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع، ولا يحرم عليها ستره بالمقنعة والجلباب ونحوهما، وهذا أصح القولين، فإن النبي سوى بين وجهها ويديها، ومنعها من القفازين والنقاب، ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها، وأنهما كبدن المحرم يحرم سترهما بالمفصل على قدرهما وهما القفازان، فهكذا الوجه إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه، وليس عن النبي حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام، إلا النهي عن النقاب، وهو كالنهي عن القفازين، فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء، وهذا واضح بحمد الله.

وقد ثبت عن أسماء؛ أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، وقالت عائشة: كانت الركبان يمرون بنا، ونحن محرمات مع رسول الله ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا. ذكره أبو داود.

واشتراط المجافاة عن الوجه - كما ذكره القاضي وغيره -: ضعيف، لا أصل له دليلا ولا مذهبا. قال صاحب المغني: ولم أر هذا الشرط - يعني: المجافاة - عن أحمد ولا هو في الخبر، مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبين، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما مما يعد لستر الوجه، قال أحمد: لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل، كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها. تم كلامه.

فإن قيل: فما تصنعون بالحديث المروي عن النبي أنه قال: «إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها»، فجعل وجه المرأة كرأس الرجل، وهذا يدل على وجوب كشفه؟

قيل: هذا الحديث لا أصل له، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب المعتمد عليها، ولا يعرف له إسناد، فلا تقوم به حجة، ولا يترك له الحديث الصحيح الدال على أن

<<  <  ج: ص:  >  >>