مالك: إن نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه فلم ينزعه مكانه حتى انتفع بذلك افتدي. قلت: وكذلك المرأة إذا غطت وجهها؟ قال: نعم؛ إلا أن مالكاً كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت ستراً، وإن كانت لا تريد ستراً فلا تسدل». [وانظر: الاستذكار (٤/١٥)].
وقال ابن قدامة في المغني (٣/ ٤٧٩): «واختلفوا عن أحمد في تغطية وجهه، فنقل عنه إسماعيل بن سعيد: لا يغطى وجهه؛ لأن في بعض الحديث: «ولا تخمروا رأسه ولا وجهه».
ونقل عنه سائر أصحابه: لا بأس بتغطية وجهه؛ لحديث ابن عباس الذي رويناه، وهو أصح ما روي فيه، وليس فيه إلا المنع من تغطية الرأس، ولأن إحرام الرجل في رأسه، ولا يمنع من تغطية وجهه في الحياة، فبعد الموت أولى، ولم ير أن يلبس المحرم المخيط بعد موته، كما لا يلبسه في حياته. وإن كان الميت امرأة محرمة ألبست القميص، وخمرت، كما تفعل ذلك في حياتها، ولم تقرب طيباً؛ لأنه يحرم عليها في حياتها، فكذلك بعد موتها».
وقال في موضع آخر (٥/ ١٥٣): «وفي تغطية المحرم وجهه روايتان: إحداهما: يباح، روي ذلك عن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، وابن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، وجابر، والقاسم، وطاووس، والثوري، والشافعي».
والثانية: لا يباح، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك؛ لما روي عن ابن عباس: أن رجلاً وقع عن راحلته، فأقعصته، فقال رسول الله ﷺ:«اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة يلبي»، ولأنه محرم على المرأة، فحرم على الرجل، كالطيب.
ولنا: ما ذكرنا من قول الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم، فيكون إجماعاً [قلت: ليس بإجماع، فقد خالفهم ابن عمر، وثبت عنه]، ولقوله ﵇:«إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها»[قلت: إنما هو قول ابن عمر موقوفاً عليه]، وحديث ابن عباس المشهور فيه:«ولا تخمروا رأسه» هذا المتفق عليه [قلت: وزيادة الوجه محفوظة عند مسلم وغيره]، وقوله:«ولا تخمروا وجهه»، فقال شعبة: حدثنيه أبو بشر، ثم سألته عنه بعد عشر سنين، فجاء بالحديث كما كان يحدث، إلا أنه قال:«ولا تخمروا وجهه ورأسه»، وهذا يدل على أنه ضعف هذه الزيادة [قلت: بل هي زيادة محفوظة، حفظها أبو بشر، وعنه شعبة، ولم ينفرد بها شعبة عن أبي بشر، تابعه خلف بن خليفة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ وقال:«ولا يغطى رأسه ووجهه»، ورواه بالزيادة: أبو الزبير ومطر بن طهمان عن سعيد، وإسرائيل عن منصور عن سعيد، ورواه عن عمرو بن دينار بالزيادة: سفيان الثوري، وقيس بن سعد، وأبان بن يزيد العطار، وأبان بن صالح، وعمر بن عامر السلمي، وعبد الله بن علي الأزرق، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى،