للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال ابن عبد البر (١٥/ ١٠٧): «وعلى كراهية النقاب للمرأة: جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أجمعين، لم يختلفوا في كراهية الانتقاب والتبرقع للمرأة المحرمة؛ إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تغطي وجهها، وروي عن عائشة أنها قالت: تغطي المحرمة وجهها إن شاءت، وقد روي عنها أنها لا تفعل، وعليه الناس.

وأما القفازان: فاختلفوا فيهما أيضاً، فروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين، ورخصت فيهما عائشة أيضاً، وبه قال: عطاء، والثوري، ومحمد بن الحسن، وهو أحد قولي الشافعي، وقد يشبه أن يكون مذهب ابن عمر؛ لأنه كان يقول: إحرام المرأة في وجهها، وقال مالك: إن لبست المرأة القفازين افتدت، وللشافعي قولان في ذلك، أحدهما تفتدي، والآخر لا شيء عليها».

ثم قال: «الصواب عندي: قول من نهى المرأة عن القفازين، وأوجب عليها الفدية؛ لثبوته عن النبي [قلت: لا يثبت رفعه، إنما هي موقوفات الصحابة]، ولا خلاف بين العلماء بعد ما ذكرنا في أنه جائز للمرأة المحرمة لباس القمص والخفاف والسراويلات وسائر الثياب التي لا طيب فيها، وأنها ليست في ذلك كله كالرجل.

وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها، وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة.

وأجمعوا أن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها، ولم يجيزوا لها تغطية وجهها إلا ما ذكرنا عن أسماء»، فذكره ثم قال: «قد يحتمل أن يكون ما روي عن أسماء في ذلك كنحو ما روي عن عائشة أنها قالت: كنا مع رسول الله ونحن محرمون فإذا مر بنا راكب سدلنا الثوب من قبل رؤوسنا وإذا جاوزنا الراكب رفعناه.

وأجمعوا أن الرجل المحرم لا يخمر رأسه على ما تقدم ذكرنا له، واختلفوا في تخميره وجهه، فروي عن ابن عمر أنه قال: ما فوق الذقن من الرأس، على المحرم أن لا يغطيه، وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه، وبه قال محمد بن الحسن الشيباني، وروي عن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، أنهم كانوا يغطون وجوههم وهم محرمون، وعن سعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وطاووس، أنهم أجازوا للرجل المحرم أن يغطي وجهه. وبه قال: الثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور. وقال ابن القاسم: كره مالك للمحرم أن يغطي وجهه، وأن يغطي ما فوق ذقنه؛ لأن إحرامه عنده في وجهه ورأسه، قيل لابن القاسم: فإن فعل؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، ولا أرى عليه شيئاً لما جاء عن عثمان. وقد روي عن مالك فيمن غطى وجهه وهو محرم أنه يفتدي. وفي موضع آخر من كتاب ابن القاسم: قيل: أرأيت محرماً غطى وجهه ورأسه في قول مالك؟ قال: قال

<<  <  ج: ص:  >  >>