للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وما رواه عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الذقن من الرأس فلا تغطه، وقال: إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه.

وما رواه ابن جريج، وفليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الوجه فما فوقه من الرأس، فلا يخمر أحد الذقن فما فوقه. لفظ ابن جريج.

ولفظ فليح: قال: كان عبد الله يكره أن يخمر المحرم وجهه، ويقول: ما فوق الذقن فهو من الرأس.

فلماذا تُعرض عن النقل من الموطأ، ومصنف ابن أبي شيبة، وسنن سعيد بن منصور، وغيرها من المصنفات العالية الأسانيد، فضلاً عن ضبط أصحابها وإتقانهم، ثم تذهب إلى من يهم ويخطئ في الروايات، وينقل من كتب غيره، ويحدث بما ليس في أصوله؟!

ثم إن ابن عمر يرى الوجه داخلاً في مسمى الرأس، وأنه لا يخمر، كما لا يخمر الرأس، وكلامه جارٍ على عادة العرب في إطلاق اسم الشيء فيدخل فيه أجزاؤه، إذ عادة البشر كشف وجوههم، وإنما يغطونها لعارض يعرض لهم، فأجرى ابن عمر ذلك على أصله في الكشف، وألحقه في الحكم بأصله وهو الرأس، فلا تعارض في كلام ابن عمر المروي عنه حتى يسقط بعضه بعضاً، وإن كان قول جمهور الصحابة أصح في إباحة تغطية الوجه للحاجة.

ثم قال: «فإن قيل: فقد قال في الخبر الذي رويتموه: الذقن من الرأس.

قيل له: لا يجوز أن تجعل هذا خلافاً؛ لأنه معترف بأن إحرام الرجل في رأسه، وإنما ذهب إلى أن ما فوق الذقن يدخل في اسم الرأس، وهذا غير صحيح؛ لأن حقيقة اسم الرأس لا يتناول الوجه، فكان هذا القول مطرحاً».

قلت: أأنت أعلم بكون اسم الرأس لا يتناول الوجه، أم ابن عمر الصحابي الجليل؟ فقد روى مالك في موطئه عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان يقول: ما فوق الذقن من الرأس، فلا يخمره المحرم. فقد عد الوجه من الرأس، وأنه داخل في مسماه بإقرارك أنت، فكيف تطرح قول الصحابي العالم الفقيه الجليل، وتخرجه من دائرة الاختلاف الواقع بين الصحابة، لكي تسمي القول الآخر إجماعاً، فيسلم لك الاستدلال به على قولك؟! ثم إن قول ابن عمر بجعل الوجه من الرأس في الإحرام لا يناقض ما ثبت عن جمهور الصحابة بجواز تغطية المحرم وجهه، لأنهم ذهبوا إلى ذلك لأجل حاجة عرضت، كالنوم، والغبار، والريح، والذباب، ونحو ذلك، وأن ليس مقصودهم مطلق التغطية، ثم يقال: من لازم القول بوجوب كشف المحرمة وجهها وهي حية، أن يُكشف وجهها حال الموت، وأنتم لا تقولون بذلك، ثم استطرد أبو يعلى في الرد على الخصوم، وقد سبق الرد على بعضه فيما تقدم، وفيما ذكرت كفاية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. [وانظر: الروايتين والوجهين (١/ ٢١٧)] [وانظر: كلام الماوردي في الحاوي (٤/ ١٠١)، ويجاب عنه بمثل ما أجبت هنا].

<<  <  ج: ص:  >  >>