قلت: ويظهر من طبقات الرواة عنه، ومن تأريخ وفاتهم، أن عامة من روى عنه هذا الحديث ممن تأخرت وفاته، مما يدل على تأخر سماعه من يزيد بن أبي زياد، سوى هشيم؛ فإنه أقدمهم طبقة وسماعاً من يزيد، وقد عدَّ بعضهم هشيماً ممن سمع منه قديماً [راجع: فضل الرحيم الودود (٨/ ٣٠٧/ ٧٥١)].
وقد ذكرت في حديث البراء بن عازب في رفع اليدين: ما يدل على كون سفيان بن عيينة ممن سمع منه قديماً [راجع: فضل الرحيم الودود (٨/ ٣٠٧/ ٧٥١)].
وذكر الحاكم أبو عبد الله عن يزيد بن أبي زياد؛ «أنه كان يُذكر بالحفظ في شبابه، فلما كبر ساء حفظه، فكان يخطئ في كثير من رواياته وحديثه، ويقلب الأسانيد، ويزيد في المتون، ولا يميز [مختصر الخلافيات (٢/ ٨٠). البدر المنير (٣/ ٤٨٨)].
وقال البخاري في رفع اليدين (٧٥): وكذلك روى الحفاظ من سمع من يزيد بن أبي زياد قديماً، منهم: الثوري وشعبة، وزهير، ليس فيه: ثم لم يعد».
وقال أبو سعيد الدارمي: ومما يحقِّقُ قول سفيان بن عيينة أنهم لقنوه هذه الكلمة: أن سفيان الثوري وزهير بن معاوية وهشيماً وغيرهم من أهل العلم: لم يجيئوا بها، إنما جاء بها من سمع منه بأخرة [سنن البيهقي (٢/ ٧٦). مختصر الخلافيات (٢/ ٧٩)].
قلت: فإذا كان سفيان الثوري وشعبة وزهير وهشيم ممن سمع منه قديماً، فإن عامة من روى عنه هذا الحديث ممن تأخر سماعهم من يزيد، سوى هشيم وسفيان بن عيينة، وابن عيينة ممن سمع منه في الحالين، والله أعلم.
لكن هذا الحديث هو من ضعيف حديث يزيد بن أبي زياد؛ الأمور: منها: اضطرابه في متنه، حيث رواه بألفاظ متعددة، وحدث كلاً بسياق.
ومنها: اختلاف اثنين من قدماء أصحابه في إسناده، وهما: هشيم، وابن عيينة، فجعله هشيم: عن عائشة، وجعله ابن عيينة: عن أم سلمة.
ومنها: أن ابن أبي زياد لم يتابع على هذا السياق، فقد روى جماعة من أصحاب عائشة، مثل: الأسود بن يزيد، ومعاذة العدوية، وأم شبيب العبدية، وغيرهم، عن عائشة: أن المحرمة تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها، ولم يذكر أحد منهم أن ذلك كان على عهد رسول الله ﷺ، أو أنهن كن محرمات معه، ولا ذكر قصة الركبان، إنما هو موقوف عليها.
• فقد ثبت عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: قالت عائشة: تسدل المحرمة جلبابها من فوق رأسها على وجهها.
• وثبت عن شعبة، عن يزيد الرشك، عن معاذة العدوية، عن عائشة ﵂، قالت: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت.
