وقال الخطابي في أعلام الحديث (٢/ ١٣٢٠): «قوله: أمحاه، يقال: محوت الشيء أمحوه وأمحاه محواً».
والجلبان: تفسيره ما في الحديث أنه القراب بما فيه، ومن عادة العرب أن لا يفارقهم السلاح في السلم والحرب، وإنما اشترطوا أن تكون السيوف في القرب، ليكون ذلك أمارة للسلم، فلا يظن أنهم يدخلونها قهراً.
والقراب: شيء يخرز من الجلود، يضع فيه الراكب سيفه وسوطه، ويعلقه من ورائه، وأكثر المحدثين يروونه جُلُبَّان - مضمومة اللام، مُشدَّدة الباء -، وزعم بعض أهل اللغة أنه سمي بذلك لجفائه، قالوا: يقال: امرأة جلبانة: إذا كانت جافية الخلقة.
قلت: وقد يحتمل أن يكون ذلك جُلْبَان السلاح - ساكنة اللام غير مشددة الباء - جمع جلب، بدليل قوله في رواية مؤمل عن سفيان: إلا بجلب السلاح، وجلب السلاح كجلب الرحل، إنما هو نفس خشب الرحل، وأحناؤه من غير أغشيته، كأنه أراد به نفس السلاح، وهو السيف خاصة من غير أن يكون معه أدوات الحرب من لأمة ورمح، وجحف ونحوها، ليكون علامة للأمن.
وقد جاء جربان السيف في هذا المعنى، قال الأصمعي: الجربان: قراب السيف.
وأنشد:
وعلى الشمائل أن يهاج بنا … جربان كل مهند عضب
فلا ينكر أن يكون ذلك من باب تعاقب اللام والراء، والله أعلم.
وقال في الغريب (١/ ٥٧٨): «الجُلُبَّان: شيء شبيه بالجراب من الأدم، يضع فيه الراكب سيفه بقرابه، ويضع فيه سوطه، يعلقه الراكب من واسطة رحله أو من آخره.
وإنما اشترطوا دخوله مكة والسيوف في قربها؛ ليكون ذلك علماً للسلم إذ كان دخوله مكة صلحاً، ولو دخلوها متقلدين لها لم تؤمن السلة [يعني: سلة السيف]، كقول الشاعر:
إن تسألوا الحق نعط الحق سائله … والدرع محقبة والسيف مقروب
والعرب لا تضع السلاح إلا في الأمن، قال مرة بن محكان:
يا ربة البيت قومي غير صاغرة … ضمي إليك رحال القوم والقربا
يريد: خذي سيوفهم وأعلميهم أنهم في دار عز وأمان».
وقال في المعالم (٢/ ١٧٨): «هكذا جاء تفسير الجلبان في هذا الحديث، ولم أسمع فيه من ثقة شيئاً، وزعم بعضهم أنه إنما سمي جلباناً لجفائه وارتفاع شخصه، من قولهم: رجل جلبان، وامرأة جلبانة؛ إذا كانت جسيمة جافية الخلق.
قلت: ويشبه أن يكون المعنى في مصالحتهم على أن لا يدخلوها إلا بالسيوف في القرب، أنهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن يخفروا الذمة، فاشترط حمل السلاح في القرب معهم، ولم يشترط شهر السلاح، ليكون سمة للصلح وأمارة له».
• وممن نقل شيئاً مما تقدم، أو لخصه، أو زاد عليه: البغوي في شرح السنة